شعر: عبد الرؤوف بوفتح يا سيدتي.. أنا رجل […]
شعر: عبد الرؤوف بوفتح
يا سيدتي..
أنا رجل قديم
لا أختار ضحكتي
لا أبدل مشيتي
ولا أرتّب جميل الكلام
كل شيء..
يتكدّس في بدني
على الريق..
ما زلت أمشط شعر راسي
من جهة اليسار
أنفخ بخار هزائمي
في مرايا منسيّة
أقبّل سبّابتي اليمنى
حين أحُكّ عينيّ
أمسح عرقي بِكُمّ قميصي
وأضمّد جرحي بأصابعي.
انهض منتفضا كعصفور
كل صباح
الى اول ضوء اطير
ألبس ثيابي..
حسب طقس الحواس
وليس بالترتيب
أحبذ دائما..
الحذاء الذي به خيوط
ربّما..
عوّدونا..
وبإضمار
على القَيْد منذ الصغر
او حتى..
لا تنخلع الاقدام
حين نتعثّر..
ما زلت أحافظ على ملامح الرّعاة
على عادات اهل البربر
أقلّم أظافري بمقصّ الصوف
حين امشي
تسبقني
رجلي اليمنى
وحين ترتجف عيني اليسرى
ادعو بلطف القضاء
وحين أحُكّ يدي اليمنى
فان اموالا في طريق الحلم اليّ.
امّا..حين ينقبض قلبي
فاني احبس نفسي في البيت
اختفي مثل خطاف مجروح
ولا أطيق رؤية وجهي.
انا مَلِيء بالتعاويذ والشعر
والاحاجي
ولغو المريدين
وضجيج حضارات الصحراء.
وصهيل خيول “عقبة”
عند احراش ” القيروان”
وظلال رماح في كثبان الرمل.
ما زلت مشدودا
لتقاليد التقويم الفلاحي
لوحشة الليالي البيض
وطمع الغابة..
للّيالي الّسود
لنزول جمرة الهواء
والتراب والماء
لجوع المحاريث
في مهرجان الحصاد
لبلاهة نجمة الصباح
ونجمة المساء البَتُول
وتناطح ..
أبراج درب التبّانة التي..
لا حظّ لي فيها.
– لي..
صبر الاشجار.
الاشجار التي تظل واقفة
في صفوف أهل الصّراط
ولا تملّ..
لا تدري ان ثمارها ليست لها
ان.
نارها فيها
لا تدري..
كيف يكون الحريق..؟؟
-انا سيدتي..
لا أكذب ..
يدي اليمنى مليئة بنوايا الخير
لا تشبه اليسرى التي..
حدثوها عنها بسوء
حين تحمل كتابنا
في حضرة فزع يوم الحساب.
قلبي..
لا يشبه ..
ملامح وجهي
في رأسي عواصف شتّى
لكن..
في عيني ..
يستوي عرش ” هارون الرشيد”
صحيح..
انّ الذي تعلمت
أخرجني من قَبْو مهجور
اوصلني عاريا إليّ ،،
الى ديار ” بني عامر”
الى مطامير القمح.
مبتهجا بسَبَايا النهر
بكل هذا الطّمْي..
غير أنّ الغربال فيّ
لم يخلصني من سديم الغبار
العالق في رأسي
منذ ولادتي
منذ صرختي الكبرى
بين يدي قابلتي.
– لا تصدقي سيدتي أبدا
إني..
حين اقفل الباب عليّ
أنسى فانوس “جُحا”
زنى العصافير
عند ذؤابات الأشجار
أنسى أوجاع الرصيف
عند خطى العابرين
وأنسى سقوط التفاحة عمدا
في أيدي الذي..
يكره رائحة التفاح.
فانا..
لا جنة لي
حتى أطرد منها
– أنا.. يا سيدتي
وصدقا..
لا اقوى الجلوس
مع امرأة في غرفة واحده
وحقّا..
لا أساس في رأسي
لبراءة القنفد
لصداقة:
– السنابل والمناجل
– الوردة والمقص
– العصفور والقفص
كل شجرة عقيم
ارميها- شماتة- بالحجارة..
وكل غصن يابس.
أنا حصان بري
كل الجهات لي
كل الأعشاب
وكل الأفراس.
لن تقنعني طهارة الماء
يوجد ارث كريه في راسي
وغنائم شتى
في دمي
منذ قريش
وإلى حدّ سيوف داعش
ولا جدوى ..
من ثقافات كل الدنيا
حتى أبرأ..
انا الفحل العربي
“جينات”..وُلدت بها
من يسعفني من عَدْواي..
– (فما ذنب المسمار
أيا خَشبه..) ..!
أظل أحب محراث ابي
صراخي خلف فخاخي
احبّ..
الجلوس فوق التراب.
حين أحب.. يا سيدتي
اصير عبدا آخر
هكذا..
من عند ربي
اشتهي
أن لا تخرجي من البيت
لا تنظري..الّا لي
لا تبتسمي إلا..لي
حتى المِرْآة زانية..
لا تأكلي..إلا من يدي.
– حرية المراة..عندي
هي ان لا تلمس .. الا قلبي
ان لا تتحدث.. حتى لها..
مثل امي
حين تسمع خَطْو جارتها
تسرع حافية.. لتفتح الباب..
لا أحب مسك العصا من نصفها.
تعلمت
كيف اتحدث للناس مثل” معاوية”
كيف أخفي حرائقي
وكيف اختفي وحيدا
كعصفور
حين يوجعه الجناح.
لكني..
لم اتعلم كيف أجالس امرأة
دون شيطان
دون ان ابوسها في سرّي
وفي الليل حين أغمض عيني
واستحضر كل شيء
يتلاطم في أرجائها
يتعرّى فيها.
يفوح.. دون شهود.
– تعلمت ان الرجولة
كالمحراث
تنفع لكل أرض بُور
وان الرجولة
لا علاقة لها بكتب الأدب الصغير
والأدب الكبير
وحجرات النساء.
علموني باكرا..
ان المرأة عندنا
ومنذ قرأت نصوص العرب
يتركونها.. تغني
الى جوار خيمة..
وهكذا..
لم اتخلص
يا سيدتي
من افكار أهل البربر
فانا..
مثل فرخ الحجل
اتعثر في حقل عنب
لكني..
أخفي تباريح الولهان
حين اوصد باب القلب على أنثاي.
– انا اكذب يا سيدتي
حين انفخ ريشي كالطاووس
وأنسى قبح أقدامي..
اكذب..
لأني لا أستطيع حبك
دون قراءة
تعاويذ كل الاديان..
– سيدتي
لا اريد ان تحطم الحضارة قلبي.!
عبد الرؤوف بُوفتح / تونس