تابعت مؤخرا كغيري من التونسيين المغلوبين على امرهم.والمقهورين..مَسْخرة ما جرى […]
تابعت مؤخرا كغيري من التونسيين المغلوبين على امرهم.والمقهورين..مَسْخرة ما جرى الى ساعة متاخرة من الليل تحت قبّة ما يسمى بالبرلمان التونسي..
ومرة اخرى احمد الله كثيرا لاني نجوت من مستنقعات السياسة واهلها ، وحتى أعبر بسرعة الى مربط الفرس ،، اؤكد انه لا حزب لي ، غير قلمي ، ولست من طائفة هند بنت عُتْبة ، او من موالي مُسليمة الكذاب..
السيد ” راشد الغنوشي” فقط..هو الذي تألمت ليلتها بسببه كثيرا والله..ودخّنت من أجله الكثير من السجائر التي لم اتعود على معاقرتها بعد العاشرة ليلا.. بل لم اغمض عيني اصلا الا مع بزوغ شمس نهار اخر ثقيل كالنحاس كباقي سنوات سيدنا يعقوب عليه السلام وقد ابيض كل جسده من الحزن..وكما تعلمون للحزن اصباغ والوان..ولعل الابيض منها او فيها.. كمثل الكفن..هو اشد اذى ، ووجعا..ومرارة..
كنت اسال نفسي طيلة ردهات فصول تلك الدراما:
– لماذا يفعل ذلك بنفسه السيد ” راشد الغنوشي” وقد شارف على الثمانين من عمره..ان لم اقل على قاب قوسين من ” ارذل العمر”..
لماذا يلقي بصدره وقلبه في اتون تلك العاصفة من السباب والشتيمة.. واقذع النعوت والصفات التي لم يتحملها حتى الانبياء والصحابة والائمة الكبار والصالحين..؟!
– وكيف يرضى لنفسه ان تَتَضَعْضَع كرامته..وتهتز شخصيته بذاك الاسلوب المهين البشع في تلك المرحلة المتقدمة من العمر..؟!
وهل للرجل قدرة على الامتصاص والصبر والتحمل والتجاوز اكثر من سيدنا أيّوب..؟!
طبعا لا اعتقد ذلك.. لان ما يلوح على ملامح السيد” راشد الغنوشي” يَشِي بتفشي بعض اعراض ضغط الدم او مرض السكر او ذبول الذاكرة وخاصة البصر..فضلا عن الارهاق والاجهاد..وكبوات السنين والخوف والذعر..وهي أعراض غالبا ما تعشش في أجساد كبار السن..واتمنى ان لا اكون على صواب في ذلك..لاني لست من اهل الطب في شيء.. بل اسأل الله له ..كل العافية والخير.
– ثم.. والذي يحيرني اكثر ، لماذا لا تنصحه ابنته..او ” مُعاذ”.. وحرمه المصون بالذات.. حتى اهله وعشيرته..والمهاجرون والانصار..بضرورة ترك والابتعاد عن السياسة وجحيمها وادمانها وذنوبها وكبائرها..حفاظا على سلامة وصحة والدهم ورب اسرتهم فوق الارض ، وتحت الأرض ، ويوم العَرْض..والنأي بنفسه – فيما تبقى له من عمر- بعيدا عن مرْجَل هتك الذمم والاعراض..باقل الاضرار والتكاليف..
ان في صلب هياكل النهشة عفوا النهضة..ما يكفي من الشباب وزيادة.. يتّقدون كلهم حماسا وذكاءا وعطاءا..ووعيا ووطنية..وكفاءة .. وقادرون بامتياز على اخذ المشعل ومواصلة المشوار.. واستنباط منهجية حديثة لخلافته تتماشى وتساير انماط وانظمة الحكم الرشيد بحق والتي تأخذ بالاساس خصوصية بلدنا ومجتمعنا ماضيا وحاضرا..بل تساهم بعمق ونجاعة في اخراج بلادنا من حالة الخراب والتدهور والفوضى التي جّرتنا اليها سياسة مولانا ” الغنوشي”..وأساليب ممارسة سياسة رعاة الابل..
– لقد كان نفسه يمقت بورقيبة لتسلطه..وشمولية حكمه..وتمسكه بالكرسي..من القصر الى القبر..غير ان الرجل ظل راكبا بغلته.اكثر من اربعين سنة.. اطول من فترة حكم بورقيبة..ممتشقا راية : حرام عليكم.. حلال عليّ..
انه يفعل كل هذا.. ليس من اجل حب تونس ورقيها ونهضتها واصلاح شانها ورفع رايتها عاليا وبعيدا..بالتاكيد.. بل من أجل أجندة ” اصحاب الخازوق ” و”الكاراكوز” وكل الراقصين حول حَلبة الاحْطاب المشتعلة ..
فمَوْلانا .. لم يَبْنِ من الشمال الى الجنوب ولا عش عصفور..ولا مدرسة..ولا مستشفى.. ولا اي اثر ينفع البلاد والعباد..
وكما ترون.. فاني لا اتحامل على الرجل.. بل ادعو اليه.. والينا جميعا بالهداية..فالسياسة موهبة من الله..ولها ادواتها وفنون استنباط وخوض معاركها..ولها قادتها وجنودها..حتى وان لزم الامر وكما قال معاوية بن ابي سفيان..” لله احيانا..جند من السمّ في العسل”..حاشاكم.
وأمّا بعد ، ومن قبل ..والى أن يعجّل الله بالخلاص.. ومن باب النصيحة اقول :
انْ أراد اي تونسي ان يصاب بمرض مزمن.. عليه فقط ان يتابع مشهدها السياسي”..وهو امر لا اتمناه لاحد.. من كل قلبي..
غير اني اردد دائما ذاك البيت البديع لابي الطيب المتنبي ، وهو يغادر فسطاط كافور الاخشيدي..متنهدا..يسال لنفسه راحة القلب والبال ، مرددا :
– ولمّا سألتُ ، ونحن بِنَجْدٍ
أَطَويلٌ طريقنا.. أمْ تَطُولُ..؟!