بقلم : عبد الرؤوف بوفتح. نعم ..! أنا فخورٌ بهم […]
بقلم : عبد الرؤوف بوفتح.
نعم ..! أنا فخورٌ بهم – أجدادي. أجدادي – الذين، على أقلّ مِن مهلِهم وبدونِ أيّةِ ضوضاء، اخترعوا الإبرةَ، والمغزلَ، والحربةَ، وعودَ الكبريتِ، والعَجلَةَ، وسِكّةَ المحراثِ، وطبشورَةَ رسمِ الثيرانِ على حائطِ الكهفِ.. ومِزمارَ الدموعِ والأغاني .. وفيما بعد ، فيما بعدُ بكثير (لِئلاّ يظلّوا خائفين مِن غوامضِ موتِهم وظلماتِ مقابرِهم) ،، أَلَّـفوا ما يَلزمهم من الشُّفَعاءِ والآلهةِ، واخترعوا الملكوت. فخورٌ بهم.. أجدادي الحكماء الاكثر تواضعا ، الذين لم يتركوا لنا (لم يكونوا في حاجةٍ لأنْ يتركوا) خرائطَ ممتلكاتٍ وعقودَ مُبايعاتٍ ، وأشجارَ أنسابٍ، وأوسمةً، وشهاداتِ تقديرٍ تُعَـلَّقُ على حيطان البيوت وتَذَكِّرُ بمآثرِهم.. أجدادي الذين ماتوا قبل أنْ يشهقوا لسماعِ الراديو، ويَشهدوا ميلادَ جَرّاراتِ الفلاحة، والكهرباءِ، والمكيفات والعرباتِ الطائرة..، بل وحتى الأسبيرين والبنجِ وخافِضاتِ الحمّى ومَوازينِ حرارةِ المحتضرين.. أجدادي العقلاء الذين لم يسمعوا ب : “ألفرِد نوبل” ، و”ألبرت أينشتاين” و”هاري ترومان”، وفُـقهاءِ الشتاءِ النوويّ و”نهايةِ التاريخ”، وأباطرةِ هذا الزمان قبل القيامة.. أجدادي الذين رحلوا وهم يؤمنون أنّ الشعرَ هو ما يصنعُ الحقيقةَ، والموسيقى هي ما يَجلبُ الدمعَ، والحبَّ هو الامتحانُ الوحيدُ لاختبارِ كفاءةِ قلبِ الإنسان. نعم..! فخورٌ بهم أنا.. أجدادي.. أَشِقّاءِ إبِلِهم وبِغالِهم وماعزِهم وأعشابِ مَراعيهم . أجدادي الشجعانِ الخَوّافين، أجدادي الكرماء الذين لم يكونوا يملكون (وما كانت حاجتُهم لأنْ يملكوا..؟) مِن متاعِ الحياةِ إلاّ سرابيلهم ، وطاقِيّاتِهم، وسِكَكَ محاريثهم، وأسرارَ أعشابهم المفيدة لرياضة مضاجعة الجواري والواقيةِ مِن آلامِ الحياةِ وضربةِ الموت، وقبلَ كلِّ هذا وذاك : كلمةَ “حبّ” التي عَبَّدوا بها الطرقاتِ ما بينَ السماواتِ والأرض. أجدادي الذين كانوا يُـبَجِّلون الشجرةَ والعصفور والنحلةَ ودودةَ الربيع، ويَتَوَسّلونَ إلى الغيمة. أجدادي الذين كانوا يَعتبرونَ البُغضَ عاراً، والكذبَ عاراً، والخيانةَ مَقتَلاً وحقارة. وحين تَضيقُ عليهم الضائقاتُ (بَدَلَ أنْ يُشهِروا خناجرَهم وايمانهم ومصاحفهم ) كانوا يَحلفونَ بأرواحِ أسلافِهم، وما يعتقدونه من اولياء الله الصالحين.. ويُقسِمون بكلمةِ “الشرف”. أجدادي الرُّحماء وما يختلج في نفوسهم من روعة ومروءة ونبل. الذين، وأنا الآنَ في نهايةِ هذا الدرب، لا أزالُ، كلّما بانُوا على سطح بالي، أمسحُ دمعةَ قلبي، وأَتَرَقّبُ عودتَهم..!