مال: من المتوقع أن نرى تحولاً جزئياً في الضعف المستمر في قيمة الين الياباني على المدى المتوسط.
تعتمد أسعار صرف العملات الأجنبية على تدفقات رؤوس الأموال، والتي تتأثر بردود الفعل في الوقت الحقيقي للتوقعات المتعلقة بالرغبة في المخاطرة والأداء الاقتصادي النسبي وفروق أسعار الفائدة.
في الأشهر الأخيرة، كانت السياسة النقدية الميسرة للغاية التي طبقها البنك المركزي الياباني وسط فترة من التشديد الصارم للسياسات النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي سبباً في التدفقات الخارجة لرؤوس الأموال من اليابان. وقد أثر هذا على الين الياباني، الذي تراجع مجدداً نحو أدنى مستوياته في عدة عقود، بانخفاض بنسبة 46% عن أعلى مستوياته بعد الجائحة.
لم تحدث تحركات سعر صرف الين الياباني في خط مستقيم ففي فترة وجيزة من الصدمة السلبية الناتجة عن الجائحة، بدأ الين الياباني في الانخفاض. وتفاقم ذلك في الربع الثاني من عام 2022، بعد أن بدأت البنوك المركزية الكبرى الأخرى دورة لتشديد السياسات النقدية.
ثم تعافى الين الياباني مؤقتاً في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023، حيث كان من المتوقع أن يغير بنك الاحتياطي الفيدرالي موقفه المتشدد، مما كان سيؤدي إلى تقليص فارق سعر الفائدة بالمقارنة مع اليابان وتعزيز قيمة الين الياباني.
ومع إثبات النمو العالمي مرونته وميل البنوك المركزية إلى “التشديد”، عاد الين الياباني للانخفاض مجدداً. وهذا يقود إلى السؤال التالي: هل عمليات بيع الين الياباني مبالغ فيها؟ وماذا يمكن أن نتوقع في الفترة القادمة؟
تتمثل إحدى الطرق الشائعة للنظر إلى “تقييمات” العملات في تحليل أسعار الصرف المرجحة بالتجارة والمعدلة حسب التضخم، أي أسعار الصرف الفعلية الحقيقية، ومقارنتها بمتوسطاتها الطويلة الأجل أو معاييرها التاريخية. ويعد مقياس سعر الصرف الحقيقي هذا أكثر قوة من أسعار صرف العملات الأجنبية التقليدية لأنه يلتقط التغيرات في أنماط التجارة بين البلدان بالإضافة إلى الاختلالات الاقتصادية في نوعية التضخم وفروقاته.
إن بنك اليابان على وشك تشديد سياسته النقدية تدريجياً. وهذا من شأنه أن يمثل خروجاً من فترة طويلة من السياسات المسيرة للغاية التي أبقت أسعار الفائدة قصيرة الأجل سلبية ووضعت سقفاً لعائدات السندات الحكومية لأجل 10 سنوات عند 0.5% فقط. وفي اجتماعهلشهر يوليو، رفع بنك اليابان الحد الأعلى لنطاقه المستهدف للعائد على السندات لأجل عشر سنوات إلى 1%، ليبدأ العملية التي طال انتظارها لتفكيك إطار التحكم في منحنى العائد. ونتوقع مزيداً من التشديد في العام المقبل، مع الخروج الكامل من إطار التحكم في منحنى العائد (بدون حدود للعائد على السندات لأجل عشر سنوات) في الربع الأول وجولة أولية لرفع سعر الفائدة قصير الأجل في الربع الثاني.
ومن المرجح أن تتم هذه التحركات على خلفية اكتساب مسؤولي بنك اليابان جرعة أعلى من الثقة في أن البلاد بدأت أخيراً في الخروج من “فخ الانكماش”. لقد ظل التضخم أعلى من المعدل المستهدف بشكل ثابت هذا العام وأثبت نمو الأجور حتى الآن أنه كبير ومستمر.
في المقابل، من المقرر أن تبلغ أسعار الفائدة الرسمية “الذروة” في معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى خلال الأشهر المقبلة، مما يؤدي إلى استقرار الأسعار لفترة أطول. وبعبارة أخرى، هناك مجال ضئيل جداً لرفع أسعار الفائدة خارج اليابان. علاوة على ذلك، إذا تباطأ الاقتصاد العالمي ودخلت بعض الاقتصادات الرئيسية في حالة من الركود، فقد يتم خفض أسعار الفائدة بشكل كبير في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي أي سيناريو، فإن فرق سعر الفائدة بين الين الياباني والعملات الرئيسية الأخرى سوف يضيق لصالح الين الياباني، مما سيدعم هذه العملة المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.
وبشكل عام، نتوقع أن نرى تحولاً جزئياً في الضعف المستمر في قيمة الين الياباني على المدى المتوسط. ونظراً للانخفاض الحالي في قيمة الين، إلى جانب الاتجاه المحتمل للفوارق في أسعار الفائدة، من المتوقع أن يشهد الين ارتفاعاً كبيراً في الفترة القادمة.