تونس الآن شاع في الآونة الأخيرة استعمال كلمة المُتَوَفِّي (بكسر […]
تونس الآن
شاع في الآونة الأخيرة استعمال كلمة المُتَوَفِّي (بكسر الفاء مع تشديدها) في سياق الحديث عن ضحايا فيروس كورونا في تونس وخارجها لكن هناك في اللغة العربية كلمة المتوفَّى (بفتح الفاء مع تشديدها).. فبالتمعن في الكلمتين تكون الأولى اسم فاعل حيث وفق القاعدة يُصاغُ اسم الفاعل من غير الثُّلاثي على وزن مضارعه المبني للمجهول بإبدال حرف المضارعة ميمًا مضمومة، وكسر ما قبل آخره نحو: تَوَفَّى يُتَوَفَّى مُتَوَفِّى.
أما ” المتوفَّى (بفتح الفاء) ” فهي اسم مفعول حيث يُصاغُ اسم المفعول من غير الثُّلاثي على وزن مضارعه المبني للمجهول بإبدال حرف المضارعة ميمًا مضمومة، وفتح ما قبل آخره نحو: تَوَفَّى يُتَوَفَّى مُتَوَفَّى.
وبالنظر إلى الفرق في المعنى بين اسم الفاعل واسم المفعول تكون دلالة “المُتَوَفِّي” مختلفة تماما مع ” المتوفَّى” أي الذي وافته المنية وهو الإنسانُ الّذي اِستوفَى اللّهُ عزّ وجلَّ مدَّةَ حياتِه، فلم يَبْقَ له منها شيءٌ؛ فحَلَّ أجلُه لانقضاءِ عُمْرِه.
والمُتَوَفِّي وهو الله تعالى، الّذي يَتوفَّى الأنفسَ حين موتِها. قال عزَّ شأنُه: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الزمر الآية 42 ).
وقد حفظت كتب التراث العديد من الطرائف ذات العلاقة بالفرق بين الكلمتين بل إن القدماء كثيرا ما كانوا يخطئون في استعمالهما وفيما يلي بعض هذه الطرائف التي تؤكد على وجود حرص لاحترام اللغة وقواعدها.
حُكِيَ أنّ بعضَهم حضرَ جنازةً فسأله بعضُ الفضلاء وقالَ: مَنِ المُتَوَفِّي؟. (بكسر الفاء المُشدَّدة(، فقال: اللّهُ تعالى، فأنكرَ ذلك إلى أن بُيِّنَ له الغلط. وقال: قُلْ: مَنِ المُتَوَفَّى ؟ (بفتح الفاء المُشَدَّدَة).
وممّا يُذكَرُ في هذا السِّياق كذلك ما رواه أحد اللُّغويّين قال: مررتُ في طريقي فرأيتُ جنازةً تُشيَّعُ، وسمعتُ رجلاً يسألُ: مَنِ المُتَوَفِّي (بالياء)، فقلت له: اللّهُ سبحانه وتعالى؛ فضُرِبتُ حتّى كِدْتُ أموتُ.
وفي محاضرات الأدباء (1 /1 /66) قال الأصبهانيّ: ” ومرَّ رجلٌ بدار ميِّتٍ فقال: مَنِ المُتَوَفِّي؟. فقالَ له رجلٌ: اللّهُ. فقالَ له: يا كافر، اللّهُ يموتُ؟. فقالَ: لعلَّكَ تُرِيدُ المُتَوَفَّى؟.”