تونس الآن يعيش العالم هذه الأسابيع على وقع حرب إقليمية […]
تونس الآن
يعيش العالم هذه الأسابيع على وقع حرب إقليمية تنبئ بانها لن تكون خاطفة.
وقد بلغ مدى القصف وأزيز الطائرات الحربية قاعات البورصات العالمية للمواد الأساسية لتواصل اسعار المحروقات والحبوب ارتفاعها الجنوني في الأسواق الذي بدأته بمجرد ظهور بوادر الانتعاشة من وباء كورونا، حيث قفز سعر البرميل من نفط البرنت من 80 الى 130 دولار وسعر الغاز تضاعف عما كان عليه في نفس الشهر من السنة المنقضية وسعر طن القمح من 100 الى 400 اورو.
وشبه المؤكد ان لم يكن ثابتا فإن هذا الارتفاع في الأسعار لن يكون ظرفيا حتى لو توفرت تسوية للنزاع فسعر البترول لن ينزل مبدئيا عن 100 دولار كسعر يضمن لاهم الدول المصدرة توازن ميزانياتهم وهو ما يفسر تقاعس منظمة الاوبك في الترفيع في الإنتاج رغم تعدد المطالب.
اما بالنسبة للحبوب فتردي المحاصيل بأهم البلدان المصدرة والسياسات الحمائية التي تم اتخاذها تحسبا لأي طارئ سيمثل بدوره ضغطا على الأسعار كامل سنة 2022.
اما إذا ما تواصلت الأزمة الأوكرانية وتفاقمت خاصة مع بدء تنفيذ العقوبات على تصدير النفط الروسي فإن الأسعار ستقفز حسب التقارير إلى مستويات قياسية تفوق 150 دولار لبرميل النفط.
في ظل كل هذا هناك سؤال مشروع حول مدى استجابة السلطات التونسية لما تشهده الأسواق العالمية من ضغوط كبيرة على اسعار منتجات حيوية للاقتصاد التونسي وللشعب ولميزانية الدولة سيما وأن فيتش رايتنغ تحدثت في آخر تقرير لها عن صعوبة استجابة حكومات على غرار تونس وغانا لما يحدث من ارتفاع عالمي في الاسعار؟
للتذكير فإن ميزانية 2022 بنيت على سعر 75 دولار لبرميل النفط الواحد والمعلوم أن كل ارتفاع بدولار واحد يقابله آليا زيادة 140مليون دينار في نفقات الدعم.
وللتذكير كذلك فإن قيمة ميزانية دعم المحروقات كانت في حدود 2.9 مليار دينار وفق قانون المالية لسنة 2022 (كانت في حدود 3.3 مليار في 2021) وأنه مع تواصل هذه الضغوط على الأسعار يمكن أن تصل إلى 5 مليار دينارا أخذا بعين الاعتبار تواصل الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات والحبوب في الأسواق والبورصات العالمية.
وبغض النظر عن ارتفاع نفقات الدعم فإن ارتفاع الأسعار والوضعية المالية للشركة التونسية لتكرير النفط (ستير) ستفرض على الدولة تمويل كامل الشراءات بالعملة الصعبة من الميزانية مما سيؤثر على توازنها المنخرم بطبعه ونفس الوضع سينطبق على ديوان الحبوب في الوقت الذي يفرض فيه ضمان السلم الاجتماعي في البلاد عدم الترفيع في الأسعار بنفس نسق ارتفاعه العالمي سيما وان قدرة المواطن والمؤسسة على حد السواء لا يتحملان مسايرة ذاك النسق.
ولأن معالجة مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن تكون بشكل فردي ولا برد فعل أمنى فحسب ولا برفع شعارات مكافحة الاحتكار فحسب والحال أن الاحتكار لا ينشط الا عند ندرة البضائع فان الدولة ممثلة في اعلى هرمها مطالبة بأن تتناول المقاربة من جميع جوانبها على اعتبار أن المسالة مسألة أمن قومي ولأنها كذلك لابد من دعوة مجلس الامن القومي للانعقاد بحضور وزراء التجارة والاقتصاد والنقل والفلاحة ومحافظ البنك المركزي وتكوين خلية أزمة تحت اشراف المجلس لإدارة الأوضاع بسلاسة أكثر.
ولابد وفي نفس الإطار الإفصاح عن حقيقة الأوضاع التنموية على غرار ما تقوم به بقية الدول حتى المتقدمة منها ومراجعة الأولويات وتمتين العلاقات الخارجية بأرسال رسائل إيجابية تساعد على حلحلة الأوضاع المالية المتأزمة.. فالمؤكد أن الايام القادمة ستكون صعبة على مختلف المستويات، ونأمل من اعلى هرم السلطة أن يضع نصب عينيه المثل القائل: أن تحكم هو أن تكون لك القدرة على التنبؤ gouverner c’est prévoir فكل المؤشرات واضحة للعموم فما بالك لأصحاب القرار لذلك ليس حكامنا في حاجة اليوم أن نقول لهم “هنا بئر”.
محمد بن محمود