بقلم حافظ الغريبي في الوقت الذي تتباهى فيه مصر هذه […]
بقلم حافظ الغريبي
في الوقت الذي تتباهى فيه مصر هذه الأيام بإنجازها أكبر سجن في افريقيا وفق أحدث القواعد العصرية التي تساعد على تأهيل المساجين نجد تونس تتبجح بكون طاقة إيواء سجونها بلغت الـ170 بالمائة وأن عدد المساجين بها الذين ينتظرون المحاكمة يناهز الـ70 بالمائة.
وبالتوازي ترى النيابة العمومية كما قضاة التحقيق يتسابقون في اصدار قرارات الإيقاف التحفظي أو بطاقات الإيداع بالسجن لذوي الشبهة رغم انهم ليسوا في حالة تلبس ولا يشكلون خطرا على المجتمع كما هو الحال في الجرائم المالية ورغم تمتعهم بقرينة البراءة وكأن الامر يتعلق بتشفي أو تباهي سيما إذا تعلق الحال بشخصية معروفة على غرار الوزراء السابقين او رجال الاعمال أو السياسيين.
وقد زادت تصريحات رئيس الدولة الطين بلة بعد أن حصر القضاة الشرفاء في القضاة الذين يحسمون مثل تلك القضايا بالإدانة حتى وان كان الامر يتعلق بالمراحل الأولى للتحقيق التي يفترض أن يتمتع خلالها المتهم بقرينة البراءة فاذا به ومنذ الوهلة الأولى يجد نفسه رهن الإيقاف.
أقول هذا وقد أصلح القضاء من حاله وأضحت له هيئة دستورية تشرف على تسييره وجمعية ونقابة يدافعان عنه.. أقول هذا والمستثمر التونسي والاجنبي هجرا البلاد وحال اقتصادها بلغ أسوأ درجاته جراء ضبابية الرؤية وتخوف الجميع من المستقبل.. أقول هذا وقد حُشرت السجون حشرا بشهادة قضاتها
غير ان كل ما حدث يبدو انه لم يشفع ولم يؤثر في شيء لدى بعض القضاة الذين يواصلون تعنتهم ملقين عرض الحائط بروح الدستور في فصوله التي ظلت نافذة بعد صدور المرسوم 117 وبمقتضيات القانون التي تقول ان الإيداع بالسجن اجراء استثنائي يطبق الا على من يشكلون خطرا على المجتمع.
غير أن وللأسف فقد استأثر بعض القضاة بصلاحيات ربانية تمنحهم حق سلب حرية البعض ، دون موجب او حتى دون مراجعة الملف في بعض الحالات، سلبا لا يعرف أحدا مدته ولا تهمهم آثاره النفسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية على المعني بالقرار…
والادهى والامر من ذلك انه وبعد سنوات من سلب الحريات يمكن ان يحصل المتهم على البراءة ليتأكد ان الاجراء المتخذ في حقه كان تعسفا.
لقد آن الاوان كي يراجع بعض القضاة انفسهم ويسعوا لحسم ملفاتهم بشجاعة ومسؤولية كاملة بعيدا عن المزايدات الشعبوية والشطحات السياسية فالإيداع بالسجن ليس قدرا لا حول ولا قوة لأحد فيه وانما ” قضاء ” قصّر في تحمّل مسؤولياته أو تعسّف في استعمالها.
حافظ الغريبي