الكلام الزّايد عند التّونسيين تاريخ كبير من أيّام قرطاج ولم […]
الكلام الزّايد عند التّونسيين تاريخ كبير من أيّام قرطاج ولم يقتصر على فئة معيّنة من الشعب بل كل طبقاته ومن أمثلة ذلك أثناء زيارة أحمد باي لفرنسا سنة 1846 كان حسب الصحف الفرنسية “جريدة Le temps الفرنسيّة” كلما يقف أمام مبنى يثير دهشته يقول كلمة بذيئة تبدأ بحرف “ز..”.
الكلام الزّايد معروف من أيّام قرطاج حيث قال القديس (354-430)Saint Augustin إنه الكلام البذيء أنتشر بين شباب قرطاج ويستحق العقاب ويضيف القديس Saint Ambroise أنّه ذهب لمدينة ميلانو ليتعلّم الخطابة وطلب من حاكم روما أن يقوم ببعث خبير في الخطابة لقرطاج من أجل أهلها وتحمل نفقات الرحلة.
يقول عالم الإجتماع التّونسي، المنصف ونّاس في كتابه “الشّخصية التّونسيّة” أنّ الكلام البذيء من مخلفات الحقبة الرومانيّة في تونس والأرجح حسب بعض الدّراسات أنّ الشعب الروماني أول شعب استعمل عبارات بذيئة وثاني شعب هو الشعب التّونسي.
وارتبط الكلام الزايد بالعبارات الجنسية وبالأعضاء التّناسليّة فمن إحدى الكلمات اشتقت كلمات أخرى على وزنها منها للتّعبير عن الدّهشة والإعجاب ومنها للتّعبير عن الجمال وكلمات أخرى تعوض تعابير السوء ومنها للتّحقير وأبدعنا كلمات تعبر عن القلق لكنها إن حرفت قليلا أصبحت تعبر عن الثّراء.
إنّ هذه الأوصاف والأقوال لم تخلق من محض الصدفة بل إنّها كانت نتيجة لوضع عام شهدته البلاد خاصة في القرن 17 و 18 فالحروب الأهلية أدت لانتشار الجوع والفقر زد عليهم الأوبئة التي ضربت تونس مرارا وتكرارا، خلقت للتّونسيين مزاجا عاما سيئ الفهم من مصيبة لأخرى. الكلام الزّايد والذي يملك عديد التّسميات متجذّر عند التّونسيين ولم يكن حكرا على عامة الشعب بل أنه كان يمارس من قبل التّجار والنّساء والحكّام بل حتى الشيوخ والأولياء الصّالحين حيث قيل في القرن 14 أنّ الولي أحمد بن عروس كان “يمازح النّساء ويمزج بالفحش كلامه ولا يبالي كونه زنديقا”.
أما التّصنيفات التي أطلقت على كل من يقوم بترديد الكلام البذيء ظهرت في وثائق الضّبطية بين 1860 و 1881 منها ما هو ديني مثل كلمة “زنديق” و”فاسق” ومنها على أساس قيم المجتمع الحياء والتّربية أين نجد نعت مثل “قليل الحياء ” و”قليل التّربية” و”الهامل” و”قطعي” المتأتية من قطاع الطرق.
في 8 أكتوبر 1946 أرسلت جمعية الشّبان المسلمين إلى الوزير الأكبر صلاح الدين البكوش للتّشكي من “كثرة التّجاهر بالعبارات البذيئة و أهمها شتم الدّين، واستعملت العبارات البذيئة في انتقاد الاستعمار أين كتب عبد الرحمان الكافي سنة 1932 ملزومة “الصبر لله و الرجوع لربي” أو “الزّبوبية الكافية”
ونشر الكاتب والصحفي بيرم التونسي مقال في جريدة الزمان يوم 14 أوت 1934 بعنوان “تونس مدينة الشّتائم” و يقول بيرم” من العجب أن يكون الدّين في هذا البلد أول شيء تضحي في سبيله الارواح. ثم يكون أول مسبوب علي ألسنة الجماهير من جميع الطّبقات …. “
“وتسمع في كل مكان حناجر تنطلق بذكر أعضاء التّناسل وتقليبها علي كل وجوه الاستعارات والمجازات. ولا يقتصر ذكرها علي ساعات الخصام. ولكن نسمعها في البيع والشراء والجدل والمزح … وتكاد تكون تونس الوحيدة في العالم التي لا يراعي أوباشها آداب السير والحديث… ولا أخص بذلك مسلميها …
وأصبحت كأنها من علامات الرجولة والفتوة… هذه الفئات ضعيفة الأخلاق أضحت فريسة لكل أنواع الآفات كالكحول والتكروري . ولتقبل المواقف المتضاربة أذ مثّلوا أحيانا رصيدا لغلاة الاستعماريين والمتعاونين التّونسيين مع الاستعمار الذين انتدبوا من بينهم في ظروف معينة القتلة ومنفذي المهام القذرة وفي حديثنا عن الكلام البذيء نأتي لسب الجلالة وهي مرحلة تعرف عند التونسيين “التربريب” أين نجد بعض التونسيين يجاهرون بسب الجلالة كتعبير عن أقصى درجات الغضب أما البعض الأخر يقحم اللّه أو الأنبياء في نكات بعضها يدل على البذائة والبعض ذو بعد جنسي لكن ذلك لا يعني إلحاد صاحبه وتبقى أكثر جملة معبرة عن وضعية تونس ما قاله بيرم التونسي سنة 1934 “و لا مبالغة إن قلنا إنّ أول سبب لتطاحن هذا الشعب وفشله وذهاب روحه هو ألفاظه التي يتفاخر بها …”
إعداد عبد الرؤوف بوفتح
* المصادر :
– كتاب “كيف صار التونسيون تونسيين” الهادي التّيمومي
– كتاب Saint Augustin “Les confessions”
– كتاب ” الشّخصية التّونسيّة” المرحوم المنصف ونّاس
– المهمّشون في الحاضرة تونس في النصف الثاني من القرن 19 السراق والغشّاشون
– مقال من جريدة الزمان لبيرم التونسي
– مقال عن النُّكتِ المحرّمة في الجريدِ