وطنية : اهتز الرأي العام التونسي ليلة الأربعاء على وقع جريمة بشعة هزت ولاية صفاقس راحت ضحيتها عائلة كاملة متكونة من الاب والام والابنة ذات العشر سنوات.
تونس الان:
اهتز الرأي العام التونسي ليلة الأربعاء على وقع جريمة بشعة هزت ولاية صفاقس راحت ضحيتها عائلة كاملة متكونة من الاب والام والابنة ذات العشر سنوات.
جريمة بشعة بدأت تبوح بأسرارها بعد توجيه تهمة القتل العمد مع سابقية الإضمار والترصد للابن الأكبر الباقي الوحيد من العائلة على قيد الحياة رفقة صديقه اذ تم الاحتفاظ بهما في انتظار انتهاء الاستنطاقات.
جريمة صفاقس، على بشاعتها ليست الأولى التي ترتكب في تونس، ولئن كانت كل أنواع الجرائم مدانة قانونا واخلاقا إلا أن العنف داخل الاسر التونسية تزايد بشكل مفزع وازدادت معه عمليات القتل، بما يطرح كثيرا من التساؤلات حول وضع الروابط الاسرية داخل العائلة التونسية سيما وقد شهدت هذه الجرائم تعددا منذ حلول 2023 وتفاقما منذ ماي المنقضي..وفيما يلي كشف مفصل.
يقتل والدته ويحيل والده على الانعاش
قبل 3 أيام من حدوث جريمة صفاقس شدهت معتمدية نفزة من ولاية باجة وتحديدا يوم 6 جوان الجاري جريمة شنيعة ارتكبها شاب من العمر 21 سنة في حق والديه ، اذ اقدم الابن على قتل والدته والاعتداء على والده الذي يعمل حارسا في حظيرة بناء ما استوجب نقله إلى قسم الانعاش بالمستشفى الجهوي بباجة.. هذا وتمّ إدراج الشاب بالتفتيش وتقوم الوحدات الأمنية بالبحث عنه.
قطع والدته وسكب عليها الاسمنت
ومن منا لا يتذكر الجريمة البشعة التى جدت يوم 27 جانفي 2023 في سيدي حسين السيجومي بتونس العاصمة حيث اقدم ابن على قتل امه بطريقة وحشية وقطع جثتها الى نصفين ثم سكب فوقها مادة الاسمنت.
وقد أذنت آنذاك النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية تونس 2 بالاحتفاظ
وتفطّن أحد أفراد عائلة الهالكة، وهي امرأة في العقد السادس من العمر، لجثّتها داخل برميل بمنزلها بجهة سيدي حسين السيجومي.
صفاقس مرة اخرى
خلال يوم 15 مارس 2023 أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس بفتح بحث تحقيقي ضد زوج مشتبه في قتله لزوجته عمدا والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وتفيد تفاصيل الجريمة البشعة التي جدت بمعتمدية منزل شاكر أن العائلة قامت بالاعلام عن غياب الزوجة ولذلك تم إدراجها بالتفتيش وتكفل اعوان الحرس الوطني بالبحث وقادتهم الشكوك نحو زوجها وهو من مواليد 1985 ومن أصحاب السوابق وله خلافات مع زوجته، وبتضييق الخناق عليه اعترف بأنه قام بدفعها في بئر مهجورة عمقها حوالي 100 متر، أين تم التنقل على عين المكان والاستعانة بالحماية المدنية التي تولت إخراج جثة الزوجة الضحية من البئر ثم تم نقلها إلى قسم الأموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة للتشريح .
قتل ام طفليه لخلاف بسيط
الى ذلك أقدم رجل على قتل زوجته خنقا يوم الأربعاء 12 أفريل 2023 بأحواز معتمدية نصرالله من ولاية القيروان، قبل يُسلم نفسه إلى الوحدات الأمنية.
وأقدم على قتل زوجته، البالغة من العمر 32 سنة وهي أمّ لطفلين، إثر خلاف بينهما.
يضرم النار في زوجته وابنته النائمتين
وفي ماي المنقضي اهتزّ الرأي العام في تونس على وقع جريمة قتل في بلدة بوحجلة راحت ضحيتها امرأة قتلها زوجها حرقاً برفقة ابنتها وهما نائمتان، بعدما أقدم على سكب البنزين داخل غرفتهما وأضرم النار فيها.
ووفقاً للتحقيقات توفيت الضحية التي تبلغ من العمر 60 عاماً متأثرةً بالحروق التي لحقت بها في جسدها رغم محاولة إسعافها، في حين تم اعتقال الزوج بعد تسليم نفسه للسلطات الأمنية واعترافه بارتكاب الجريمة.
حامل وأم لـ4 أطفال تنتهي حياتها على يد زوجها
وتأتي هذه الحادثة بعد أسبوع من جريمة مماثلة شهدتها ولاية سوسة، راحت ضحيتها امرأة حامل تبلغ من العمر 30 عاماً على يد زوجها، بعدما قتلها خنقاً بسبب خلاف عائلي والضحية أم لأربعة أطفال تقطن بمنطقة كندار من ولاية سوسة خنقا على يد زوجها الذي تم إيقافه واعترف بالجريمة.
ويوم 12 ماي 2023 أعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ نّها تلقّت إشعارًا بخصوص حادثة موت مستراب لرضيعة تبلغ من العمر شهرين فقط في إحدى ولايات تونس الكبرى.
يقتل رضيعته
وقد صرّحت أمّ الضحيّة (37 سنة)، وفق الوزارة، بأن زوجها اعتاد تعنيفها هي وابنتها وأنّ هذا الأخير قتل الرضيعة وحاول دفنها دون إعلام السلطات الأمنية أو القضائيّة، وفق أقوالها.
الى ذلك كشفت الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة سندس النويوي، يوم الاثنين 15 ماي 2023، عن جريمة قتل رضيعة تبلغ من العمر حوالي شهرين.
وقالت انه تم توجيه اعلام للنيابة العمومية من قبل منطقة الحرس الوطني بمنوبة، مفاده قدوم امرأة تحمل رضيعة متوفّية وتؤكّد ان زوجها هو الذي قتلها.
وأكّدت انه تمّ مباشرة محضر بعد معاينة جثّة الرضيعة، ليتم بعد ذلك فتح بحث تحقيقي موضوعه القتل العمد مع سابقية الإضمار.
وقالت ان الأمّ أكّدت ان زوجها قتل ابنته الرضيعة بعد الاعتداء عليها، ثم حاول إرغامها على التنقل رفقة شقيقته الى ولاية القصرين لدفن الجثة.
وأوضحت أيضا انه تم إيقاف “العمّة” وهي شقيقة القاتل من أجل التستّر والمشاركة في الجريمة، فيما تم ادراج الاب القاتل في التفتيش.
وتواترت حالات القتل داخل العائلة التونسة خاصة في صفوف الزوجات من قبل أزواجهن بمعدل يزيد عن حالة قتل شهرياً تقريباً، بشكل يكاد يتحوّل إلى ظاهرة، وهو ما أثار قلق المجتمع وشغل الرأي العام من ارتفاع وتواتر معدلات العنف وحالات قتل النساء، وسط دعوات للتدخل للحد من ذلك.
ويذكر ان 13 جريمة قتل للزوجات حصلت منذ بداية العام أي بمعدل 3 زوجات كل شهر ونددت عدة جمعيات بهذه الجرائم الشنيعة وتعامل هياكل الدولة معها معبرة عن استغرابها من التعامل السلبي .
كما ان وزارة المراة والطفولة اكدت في السابق ارتفاع ظاهرة العنف الزوجي حيث تلقى الخط الاخضر 1899 خلال الثلاثي الاول من سنة 2023 912 حالة عنف منها 654 حالة القائم بالعنف هو الزوج أي بمعدل 71 في المائة عنف زوجي
ماذا يقول علم النفس الاجتماعي ؟
يقول رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعالم الاجتماع ووزير الثقافة سابقا مهدي مبروك عن ارتفاع الجريمة في تونس إن كل المجتمعات التي تشهد تحولات كبرى شهدت ارتفاعا في منسوب الجريمة على غرار الثورات الفرنسية والبلشفية والإيرانية وحالات انهيار المجتمعات في دول مثل العراق والصومال واليمن وغيرهم بسبب الحروب.
وأشار مبروك إلى أن تونس لم تشهد بعد انهيار النظام تطورا في جرائم الخطف وهي جرائم تتطور في سياقات سياسية عنيفة موضحا أن تونس شهدت جرائم سياسية واعتداءات إلا أنه لم تشهد ارتفاعا في منسوب هذا النوع من الجريمة.
وأوضح مبروك أن تونس عرفت خلال 10 سنوات من 2010 إلى سنة 2020 أشكالا جديدة من الجرائم وصفها بالجرائم الاجتماعية إلا أنها لم تتخذ منحى تصاعدي مطلق وإنما ظلت ترتفع وتنخفض مما يبين أن الجرائم في المجتمع التونسي لم تبلغ أرقاما قياسية حسب قوله.
وبيّن عالم الاجتماع مهدي مبروك أن الاعتقاد بارتفاع مستوى الجرائم الاجتماعية في تونس مرده التناول الإعلامي لها في سياق حرية الإعلام إضافة إلى الحديث عنها بشكل مكثّف على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال على سبيل المثال أن جرائم الاغتصاب التي بت فيها القضاء بين 2014 و2015 كانت في حدود 72 جريمة وبين 2015 و2016 في حدود 101 جريمة اغتصاب و61 قضية بين 2016و2017 وبين 2017 و2018 حوالي 97 قضية اغتصاب و 102 قضية بين 2018 و2019 معتبرا أن هذه الأرقام ليست بالصاروخية وإنما هي جرائم يهتز لها ضمير المجتمع والضمير الحي.
وأكد أن تونس ليست ضمن المراتب الأولى في ترتيب الدول العربية على مستوى نوعية هذه الجرائم.
وتابع عالم الاجتماع مهدي مبروك أنه لو لو تم وضع هذه الجرائم تحت مخبر العلوم الإنسانية والاجتماعية، لوجدناها تشير بشكل واضح إلى السياقات المرضية المعتلّة في تونس خصوصا أنها تأتي في سياق اقتصادي وفر ظروفا ملائمة لانتشار الجريمة وبيئة حاضنة لها.
وبين أن أغلب جرائم السرقة والنشل يقوم بها أفراد جاؤوا من أحياء فقيرة في حين أن أبناء الطبقات الميسورة والمرفهة يرتكبون جرائم تحيل اقتصادي.
وشدد مبروك على أن المقاربة القانونية بمفردها ستظل عاجزة على مكافحة تطور الجريمة مضيفا بأن تونس تفوت فرصة لمقاومة الجريمة مؤكدا أن الإصلاح التربوي الرهان عليه كبير من أجل إعادة الاستئناف على منزلة الإنسان وأهمية أن تكون الدولة راعية وحامية للجميع، مؤكدا أن الإصلاح التربوي والخطاب الإعلامي بإمكانهما تغيير البيئة من حاضنة إلى بيئة تخفف وتردع كل نزعات وسلوكات تؤدي إلى الاعتداءات على الآخرين.
الباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية سامي ابراهم اعتبر أن النزوع نحو الإجرام في تونس نتاج طبيعي لاضطراب القيم في المجتمع وتراجع دور المراجع القيمية في سياق مجتمعي يشهد تحولات اجتماعية.
وبين براهم أن كل إنسان يحتاج إلى مرجع يشده إلى الحياة ويخلق له توازنا وجدوى ومعنى يشعره بقيمته وغياب هذا المرجع واختلاله يؤدي إلى الفردانية والأنانية حسب قوله.
وأوضح براهم أن هذه المراجع تتمثل أساسا في الأسرة والمدرسة والمسجد والدولة وغيرها من الفضاءات ذات البعد القيمي.
وأفاد في هذا الخصوص بأن الأسرة التونسية أصبحت تعاني العديد من التشوهات والإخلالات الكبرى تجعلها في بعض الأحيان حاضنة للجريمة متحدثا عن عائلات تصنع من أبناءها أشخاصا مشوهين ومضطربين نفسيا ومهيئين ليقعوا استقطابهم للجريمة.. العنف داخل الأسرة يكسر شخصية المرجع وهشاشة الروابط الأسرية من بين أسباب النزوع إلى الإجرام.
ويضيف براهم بأن المدرسة تخلت عن دورها القيمي ولم تعد فضاء يقدم مضامينا قيمية تساهم في تنشئة تلميذ متوازن إضافة إلى تخلي الدولة عن دورها القيمي في ظل الحديث عن عدم استقلالية القضاء والفساد في البرلمان والمسجد كذلك الذي لم يعد مرجعا ومثالا للشخصية الملتزمة دينيا خصوصا في ظل تقديم مضامين ضعيفة وخاوية وهي نفسها من الممكن أن تكون سببا في أزمة معرفة .
وشدد ابراهم على ان المجرم هو آخر حلقة في العملية الإجرامية وهو أداة تنفيذ لجريمة المشاركون فيها كثر بما فيها الأسرة.. عدم معاجلة الانكسارات المتتالية لدى الفرد سيؤدي بالضرورة إلى نزوعه إلى العنف والإجرام.
الطبيب النفسي و الباحث في المسائل النفسية والاجتماعية أحمد الأبيض تحدث عن وجود قابلية في الإنسان لأن يكون مجرما مشيرا إلى أن القرآن تطرق إلى هذه المسألة ‘القرآن لم ينف على الإنسان هذه القابلية لسفك الدماء وغيرها من الأعمال ” إضافة إلى مدارس علوم النفس التي تحدثت عن وجود جانبين متضادين.. فرويد تحدث عن الحب والحياة والنزعة التدميرية.
وأوضح الباحث في المسائل النفسية أحمد الأبيض أن الشخص الذي تربى على عقلية التذمر مهما كانت أوضاعه جيدة ويظل يركز على ما يفتقده، يغيب قدرته على الاستماع بالحياة وإذا ضربت قيمة العمل كيف للإنسان أن يكون فاعلا ومؤثرا في واقعه.. تخلي الفرد عن المسؤولية وبحثه عن كبش فداء يتحمل مسؤوليات ما حدث له يدفعه إلى التوتر والنزوع إلى العنف.
الفشل الدراسي أيضا والجلوس مطولا في المقاهي والاكتظاظ في بعض الأحياء وما ينجر عنه من فوضى وعدم الفاعلية في المجتمع والعطائب النفسية والاجتماعية كلها عوامل تؤدي إلى النزوع إلى العنف وارتكاب الجرائم وفق الأبيض
كما أن غياب سلطة سلطة الأب ورمزيتها في المنازل وتخلي المدرسة ودورها التربوي وتعرض الطفل إلى العنف في عائلته وغياب الخطاب الديني الوسطي وارتفاع منسوب العنف في الأعمال الدرامية التونسية وانتشار المخدرات في المجتمع والإقبال على الألعاب الالكترونية التي تعتمد في قواعدها على العنف والوصول إلى القتل مدخلا للربح كلها عوامل تظافرت لتغذي منسوب الجريمة في مجتمعنا في الفترة الأخيرة.
المصدر : جريدة المغرب + شمس اف ام+ موزاييك اف ام +وكالات