ربما يؤدي تفاقم الوضع في بريدنيستروفيه (ترانسنيستريا) إلى دفع رومانيا […]
ربما يؤدي تفاقم الوضع في بريدنيستروفيه (ترانسنيستريا) إلى دفع رومانيا نحو الحرب. في النصف الأول من شهر ماي، تتضافر مجموعة من العمليات، يؤدي كل منها على حدة إلى تصعيد كبير للحرب غير المعلنة التي يشنها الغرب ضد روسيا، وتجعل من دخول أوروبا طرفا في الأعمال العدائية بأوكرانيا أمرا لا مفر منه تقريبا.
لقد وصل الغرب أخيرا إلى مرحلة انهيار اقتصاده، والتي قد تبدأ قبل نهاية العام الحالي، ربما في الخريف، ما يحتم عليه هزيمة روسيا بأسرع وقت ممكن.
من جانبها، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية محاربة التضخم، الذي تسارع إلى مستويات قياسية منذ 40 عاما. وللقيام بذلك، توقف الاحتياطي الفدرالي عن طباعة النقود الورقية غير المغطاة منذ مايو، ورفع سعر الفائدة، ما يجعل انهيار سوق الأسهم خلال الأشهر القليلة المقبلة أمرا حتميا.
لكن ذلك أمر لا يمكن السماح به، لأن سوق الأوراق المالية هو قلب الاقتصاد الأمريكي، ولإنقاذه من الضروري ضمان تدفق رأس المال إلى الولايات المتحدة الأمريكية من جميع أنحاء العالم. وفي ظل الظروف الحالية، هناك طريقة واحدة فقط لتحقيق ذلك ألا وهي زعزعة استقرار العالم بأسره، من تايوان وحتى أوكرانيا. ويشير نمو الدولار وضعف اليوان والين واليورو إلى أن هذه العملية قد بدأت بالفعل.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تصعيد الصراع مع روسيا لإيجاد شماعة تتحمل المسؤولية عن الانهيار القادم لهرم الديون في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم انهيار النظام المالي العالمي والجوع في العالم. وقد رأينا بالفعل محاولات بايدن صياغة مصطلحات على غرار “تضخم بوتين” وغيرها.
أما أوروبا، فقد خلقت لنفسها أعمق أزمة اقتصادية من خلال تدمير العلاقات الاقتصادية مع روسيا، في محاولة تنظيم انهيار اقتصادي في روسيا. ولن يكون أمام الأزمة الاقتصادية في أوروبا خلال الأشهر المقبلة سوى أن تتدهور، وصولا إلى كارثة واسعة النطاق خريف وشتاء هذا العام.
في الوقت نفسه، أظهر الاقتصاد الروسي مرونة أكبر بكثير مما توقعه الغرب. وإذا استمرت التوجهات الراهنة، فلا يوجد سبب لتوقع انهيار الاقتصاد الروسي على الأقل في السنوات القليلة المقبلة، أو دعنا نقول، طوال الفترة اللازمة لانهيار النظام المالي الأمريكي/ العالمي.
أصبح الوضع بالنسبة لأوروبا لا يطاق، ولم يعد بالإمكان تحمل مواجهة اقتصادية طويلة الأمد مع روسيا، وأصبحت أوروبا مضطرة للذهاب إلى أقصى درجات التصعيد، على أمل أن تستسلم روسيا أو تنهار أولا خلال الأشهر المقبلة.
بالتزامن، أدت الإخفاقات الروسية في الفترة الأولى من الحرب، ولا سيما انسحاب القوات الروسية من محيط كييف، إلى ظهور وهم لدى أوكرانيا والغرب باحتمال تحقيق نصر عسكري على روسيا. كذلك لا يؤمن الأوروبيون بإمكانية استخدام روسيا للأسلحة النووية، ولم يعودوا يخشون الدخول في الحرب، ويشعرون بدعم “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية من خلفهم.
في هذا السياق أعلن رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، عن الرأي السائد في الغرب بقوله إن روسيا “يجب أن تهزم في ساحة المعركة”. بمعنى أن الغرب ببساطة لم يعد لديه الوقت لتحقيق أي نصر آخر بخلاف تلك الطريقة، وما تبقى من الوقت لدى أوروبا أقصر بكثير مما تبقى لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما يفسر التطرف الأوروبي الأكبر تجاه روسيا من نظيره الأمريكي، المتمثل بما في ذلك في رفض فنلندا والسويد وحتى سويسرا التزام الحياد. وهو ما يفسر كذلك المفاجأة في السرعة والنطاق المتزايد لنمو استعداد الدول الأوروبية لتزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة.
وإذا كان الغرب قد حدد هدفا لانتصاره العسكري على روسيا، فهذا يعني أنه قد قرر المشاركة في الأعمال العدائية إذا لم تستطع أوكرانيا ضمان هذا النصر. أخيرا، ستجد أوروبا الغربية فائدة من المتسولين من دول أوروبا الشرقية، ممن دأبت على تقديم المعونات والدعم لهم منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي…
أولا، إن كل شهر أصبح مهما بالنسبة لأوروبا، فقد أعلنت روسيا اعتزامها تحويل جميع صادراتها إلى الروبل الروسي، وقد بدأت بالفعل روسيا في قطع إمدادات الغاز عن الدول التي ترفض ذلك. وأعتقد أنه ببداية الصيف ستتحول روسيا إلى تصدير النفط والأسمدة المعدنية والحبوب وغيرها من السلع الحيوية إلى التجارة بالروبل، وسيتدهور الوضع الاقتصادي في أوروبا بشكل حاد.
ثانيا، يؤمن الغرب بدعايته الخاصة، فقد أقنع نفسه بأن فلاديمير بوتين يريد إنهاء الحرب بحلول التاسع من مايو، العيد الرئيسي لروسيا الحديثة، ويوم الاستعراض العسكري التقليدي في روسيا على شرف انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وأعتقد أن أوكرانيا والغرب يريدان توجيه ضربة إلى بوتين بحلول هذا التاريخ، على الأقل لتحقيق هزيمة موضعية لروسيا، والتي ينبغي أن تضر صورة بوتين بشدة وتقوض إرادة روسيا للقتال.
ثالثا، يتدهور الوضع في إقليم الدونباس يوما بعد يوم، حيث تقاتل أفضل قوات نظام زيلينسكي في مواقع محصنة تحصينا جيدا. وإذا لم يتركوا مواقعهم، فسيتم الانتهاء من تطويق المجموعة الأوكرانية وسيتم تدميرهم في منتصف شهر مايو تقريبا، وما يتبع ذلك من عواقب وخيمة على أوكرانيا والغرب. كذلك فإن انسحاب هذه القوات أيضا بمثابة انتحار، حيث سيتم تدمير الطوابير القوافل الأوكرانية من الجو. لهذا فإن فتح جبهة ثانية في مكان آخر يمكن أن يكون حبل الإنقاذ لهم.
رابعا، أصبح النقص في الأسلحة والوقود في أوكرانيا أكثر حدة، وشل الاقتصاد، ولا يتعجل الغرب لتعويض الخسائر المفقودة. بل إن التصعيد بإشراك الغرب في الأعمال العدائية سوف يكون أفضل بكثير لأوكرانيا من حرب طويلة بينها منفردة وبين روسيا.
هنا تجدر إضافة أنه في الرابع من مايو المقبل، وحينما تنتهي مهلة السماح الشهرية لمدفوعات روسيا المنتظمة خدمة ديونها، والتي ترفض سدادها بالدولار أو اليورو بسبب تجميد الغرب لاحتياطيات النقد الأجنبي الروسي، من المرجح أن يتم استخدام هذا التخلف المصطنع عن السداد لشن حملة واسعة من قبل الغرب لمصادرة الأصول الروسية في الخارج، والذي يعني ببساطة سرقة مفتوحة، ستحرق معها آخر الجسور لتطبيع العلاقات، وتسرع التصعيد العام.
وهكذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى ومستعدة لتصعيد الصراع مع روسيا، بينما تستعد أوروبا الشرقية طواعية للعب دور “الأبله المفيد” ووقود حرب الولايات المتحدة مع روسيا.
بالنسبة لبولونيا، فمن الصعب تقنيا عليها دخول الحرب، حيث يدور القتال بعيدا عن حدودها، وقد انتهى الصراع مع بيلاروس بشأن اللاجئين. لذلك فمن الضروري حتى تدخل بولندا الحرب بمستوى التصعيد الحالي أن تحاول القوات الروسية تطويق كييف وتبدأ تقدمها نحو الغرب حيث الحدود مع بولندا.
في الوقت نفسه، فقد شهدنا في الأيام الأخيرة تفاقما حادا للوضع في جمهورية بريدنيستروفيه (ترانسنيستريا) غير المعترف بها، والواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيستر بين مولدوفا وأوكرانيا.
وتوجد في هذه الجمهورية قاعدة لقوات حفظ السلام الروسية (حوالي ألف شخص)، بالإضافة إلى أكبر مستودع ذخيرة في أوروبا، الذي عاد إلى ملكية الاتحاد السوفيتي مرة واحدة أثناء انسحاب القوات السوفيتية من أوروبا الشرقية.
فإذا ما وضعنا هشاشة هذه المستودعات جنبا إلى جنب مع نقص الأسلحة والذخيرة في أوكرانيا يصبح هجوم الأخيرة على ترانسنيستريا منطقيا، وقد صرحت إدارة زيلينسكي بذلك علانية. ومع ذلك، فهذا مستحيل بدون مساعدة مولدوفا، وستجذب محاولة روسيا الدفاع عن ترانسنيستريا حتما مولدوفا إلى الصراع، وبالتالي رومانيا، التي تقف وراءها، وستحصل بذلك على ذريعة لإرسال قوات إلى ترانسنيستريا وربما إلى الأراضي الأوكرانية المجاورة.
وقد رأينا خلال الأيام القليلة الماضية هجمات على مؤسسات الدولة في جمهورية ترانسنيستريا، بما في ذلك على برج التلفزيون المحلي والمستودعات العسكرية هناك.
حينها لن تكون القوات الروسية الموجودة بعيدا عن هذه المنطقة قادرة على الإنقاذ بسرعة، ومن غير المرجح أن تتمكن القاعدة الروسية والتشكيلات العسكرية الخاصة بترانسنيستريا من الصمود طويلا ضد اللواءين الذين تحتفظ بهما أوكرانيا على الحدود مع الجمهورية.
أجبر الوضع الراهن الرئيس بوتين على إعادة التأكيد على التهديد باستخدام القوة ضد أولئك الذين يتدخلون في الوضع بأوكرانيا. ومع ذلك، فلم يكن الرئيس محددا هذه المرة، بل قال إن روسيا سوف ترد حال ظهور “تهديد استراتيجي غير مقبول” بالنسبة لها، وهي عبارة تسمح بتفسير فضفاض، ولا تضمن استجابة روسيا لأي تدخل مباشر، حتى ولو كان صغيرا. بالإضافة إلى ذلك قال بوتين: “لدينا أدوات للرد لا يمكن لأحد أن يحلم بها الآن”. بالتالي، نحن لا نتحدث عن الأسلحة النووية، التي يمتلكها كثيرون.
وعلى خلفية التفوق المتعدد للغرب على روسيا في مجال الأسلحة التقليدية، فربما قد يميل إلى اعتبار هذا التهديد سفسطة فارغة، وبالتالي أخشى ألا يكون من المرجح أن يردع البيان الصادر عن بوتين الغرب، ويثنيه عن التصعيد الذي يخطط له.
لذلك فنحن ننتظر التاسع من مايو. إلا أنني أظن أن مزيدا من التصعيد لا مفر منه، حتى لو لم يحدث شيء في التاسع من مايو.