بقلم: عبد الرؤوف بوفتح هاتفني صبيحة يوم متوتر ككل أيام […]
بقلم: عبد الرؤوف بوفتح
هاتفني صبيحة يوم متوتر ككل أيام ربيعنا التونسي ومنذ سنوات..الإعلامي المناضل المتميز ، والصديق الكبير ، ” حافظ الغريبي” قائلا: لقد أسست مشروعا إعلاميا وأريدك أن تنضم لأسرة التحرير… لم أتمالك في تلبية رغبة صديقي ، لأن عشرة طيبة ورائعة جمعتنا منذ سنوات ضمن جريدة ” الأيام التونسية” تمتعنا فيها كثيرا.. وتعذبنا كثيرا..لكن تلك قصة أخرى على رأي الأديب الكبير ” الطيب صالح”.
… فشكرا لك يا حافظ العهد ، وحافظ المحبة الصادقة التي لا تخون.. شكرا لأنك أعدت لقلبي خيط أوجاع الكتابة العذب..وسوف نذهب مرة أخرى.. نؤسس مملكة للكلمة الهادئة المسؤولة والمثمرة.. عاليا وبعيدا..
.. أعترف اني اخترت منذ سنوات ترك العمل الصحفي، الابتعاد عن المشهد الإعلامي، والثقافي بوجه أدق.. كانت الأسباب كثيرة، فيها الذاتي، وفيها خيبة تجربة سنوات عجيبة ومضنية لم أجن من ورائها سوى اللوعة والغربة..والإرهاق.
كنت قرات كثيرا عن تجارب لفيف من الكتاب والشعراء والمبدعين ممّن سبقوني في الانخراط في أوجاع الكتابة ومتاهتها ثم انتهى الأمر بالبعض منهم الى الانتحار، أو الى التهميش والنسيان والاحتقار ، أو إلى سرير الإعاقة بسبب أمراض القلب والأعصاب..ولم يلتفت لمحنتهم أحد..
كما تشرفت بمعرفة وملاصقة قامات أدبية أخرى بصفة تكاد تكون يومية والتي ساهمت بقسط كبير في تأثيث وترسيخ ، وإشاعة الفعل الثقافي ببلادنا وخارجها ، سواء عبر الملاحق الثقافية بالصحف اليومية والمجلات وسائر الدوريات المختلفة المشارب والميولات الفكرية والمنتديات والملتقيات والتظاهرات المتنوعة وحتى عبر الإذاعة والتلفزيون… ثم انتهى بهم المطاف..إلى الجلوس في المقاهي والحانات مثل طيور الحرائق يستعطفون التفاتة صديق أو ابتسامة صفراء ماكرة وعابرة..
ثم إن المشهد الثقافي في بلادنا..لم يعد مريحا بصراحة بعد أن اختلط فيه الحابل بالنابل ، وصار الجميع مثل سمك السردين في بحيرة تجف.. وبعد أن ازداد ضحالة وقتامة، وتهميشا إن لم أقل غرابة واتساخا.. وامتلأت الساحة الثقافية بأقلام السوء والمحتالين..وعم الشرور وسادت الفوضى..
بل صار المشهد مثل”ميناء نابولي” يعج بفوضى اللصوص وصائدي الجيوب والقلوب الطيبة ..وهو مشهد بائس وتعيس ضمن منظومة من الخراب تشهدها بلادنا منذ كذبة الربيع العربي مسّت كل الطيف السياسي ، والتربوي ، والاقتصادي ، والاجتماعي.. فالحِبْر يقتل يا سادتي.. فدعوني أموت مختنقا برائحة الكلمات.. وأضحك كالمجنون للشمس والتراب..
أقول لك لكم:
نحن ..لا حبّ في أعيادنا ..لا حب في قلوبنا ..لا حب في عيوننا ..لا حب في أوطاننا..
نحن.. ندْهش للغريب حين يكتب عن لوعة وقدسية الحب ، بل نقتلع حروفه لنذيعها في ذائقة الناس من حولنا ، ونوهم الجميع أننا نحب أيضا، ونتشبه بحرقة العُشّاق منذ قبل شهرزاد.. وفي حقيقة الميدان نرفع الأظافر في وجوه بعضنا بل المناجل والصراخ..
نحن .. حين تقول لامرأة : أحبكّ يا بنت..تضحك لغبائك وحمقك وبَلَهِ الذين خلّفوك..وتعدّ لك من خلفك رصاص الخنازير..
نحن .. الحب عندنا مضيعة للوقت لأنه مبيد للقبح ، ويؤسس للجمال.. والحب عند نساء العرب كالماء في الغربال.. وعند الرجال كذبة الغراب.. لم يكذب علينا شعراء الجاهلية أبدا..وهم يبكون بعد فوات الأوان على الأطلال.. وقد خلّفتهم القوافل.. ولم يحضنوا غير الخراب..وأوهاما تذروها الرياح بين الأثافي..
.. لا تصدقوا العرب.. حين يتحدثون عن الحب..!