تونس الآن
تعوّدنا حقّا على رسائل قيس سعيّد المشفّرة كلّما وقف وراء المصدح متوجّها إلينا أو إلى غيرنا. رئيس الجمهوريّة ناجح في تخويفنا أكثر من أيّ مسؤول آخر، حتّى أنّنا صرنا نتوجّس كلّما دعوتنا إلى سماع خطاباته.
مساء الخميس مثلا لم يمرّ عاديّا. فقد فهمنا ممّا لم يكن واضحا ومباشرا أنّ المؤسستين الأمنية والعسكريّة يمكن أن يتمّ توريطهما في متاهات سياسية بما أنّه قال إنّ “من بين المخاطر الموجودة اليوم هي محاولة الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية”، واستدراجها بهدف الدخول معها ومع بقية المؤسسات الأخرى في مواجهة، لافتا إلى أن “المؤسستين العسكرية والأمنية نأت بنفسها عن كل الصراعات السياسية”.
ممتاز،
المفروض في مسائل ذات بعد أمن وطني خطير بهذه الكيفية أن يتمّ الكشف عمّن يحاول الزجّ بهما في ما لا نرضاه ومتابعته قضائيا، غير انّ رئيس الدولة وكعاته يكتفي بتأجيج الرأي العام ويصمت ليسهر العديدون إلى الفجر في التخمين والتهويل والتلطيف ودراسة الاحتمالات…
الشعب التونسي ينتظر أفعالا لا أقوالا من رئيسه… تصريحا لا تلميحا، إلا أنّ قيس سعيّد، ولكثرة إثارته لمثل هذه المسائل وبتلك الكيفية أضحت الأغلبية لا تعير اهتماما لما يقوله، وهذا أخطر شيء على رئيس دولة يفترض أن يكون واضحا وصادقا مع شعبه لا ان يصبّ الزيت على اللهب ثمّ يختفي.
أذكر بالمناسبة أنّ إيمانويل ماكرون لم يستهلك أكثر من دقائق ليقدّم خطابا مكثفا خلال الندوة الصحفية التي جمعته بقيس سعيّد في باريس، وفي المقابل استمتع بمحاضرة كاملة قدّمها رئيسنا حول عديد المسائل الذاتية والموضوعية قبل ان يقول ما يقال عادة وباختزال في ندوة صحفية في الهواء الطلق.