تونس الآن ما أكد عليه رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي […]
تونس الآن
ما أكد عليه رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي صباح اليوم الإثنين 16 مارس 2020 لم يكن تلاعبا بالألفاظ والجمل ولم يكن خطابا مشحونا بالإيحاءات الحزبية التي لا تخلو منها خطابات الساسة الإيطاليين عادة خلال الأزمات الحكومية التي لا تكاد تنتهي في حرم الديمقراطية الإيطالية، كان ما اضطرّ إلى البوح به استغاثة وجهها نحو الإيطاليين في الداخل ونحو أوروبا والعالم الذي تخلى عنهم وبقوا يتابعونهم كأنهم فئران مخابر.
“الأسابيع القادمة ستشهد الخطر الأكبر” كما قالها كونتي بكلّ مرارة، وقد يكون قالها بعد أن راجع ما آلت إليه خارطة إيطاليا هذه الأيام من حال لا شبيه له في تاريخ روما ما حولها إلا حين أمعن القوط (القادمين من ألمانيا الحالية) خلال الحرب القوطية التي دارت رحاها في إيطاليا والمناطق المجاورة وهي دالماسيا (بكرواتيا الحالية) الموجودة بالساحل الشرقي للبحر الأدرياتيكي قبالة مدينة رافينا، (ثاني المدن الرومانية بعد روما في ذلك الوقت، واالموجودة على الساحل الغربي)، وجزر صقلية وسردينيا وكورسيكا من 535م حتى 554م بين الروم الشرقييين وعاصمتهم القسطنطينية (اسطنبول الحالية) وقوات مملكة القوط التي احتلت إيطاليا، والتي انتهت بسقوط رافينا، والمرحلة الثانية (540-553م) حيث عاد القوط تحت قيادة توتيلا إلى ردّ الفعل محاولين صدّ الروم الشرقيين وتم إخماد هذه الثورة بعد نضال طويل من نارسيس (أعظم الجنرالات في خدمة الإمبراطور البيزنطي جوستنيان الأول خلال إعادة فتح روما). ومع ذلك واصلت العديد من المدن في شمال إيطاليا صمودها حتى وقت مبكر من ستينيات القرن السادس إلى أن تمّ محو الوجود القوطي من إيطاليا نهائيا.
أطلنا فتح القوس التاريخي هنا، وبالغنا في الخروج عن نص الخبر، لكن الإيطاليين يعلمون حقا أنّ دخول المرحلة الرابعة من تفشي الفيروس اللعين سينسيهم طعم البيتزا بأنواعها ونكهاتها، وسيلهيهم عن التشدّد في قبول القهوة والنزع إلى رفضها إن لم يعجبهم مذاقها بعد كلّ وجبة يتناولونها خارج البيت وهم سادة السهر في المطاعم…
ستكون الهزة كبيرة ونضالهم ضدّ الوباء طويلا وتضحياتهم كبيرة كأسلافهم الروم الذين أطردوا القوط من بلادهم، وربّما سيفعلون كما فعلوا مع الفاشيين والنّازيين في أواخر الحرب العالمية الثانية. ويكفي أن ننظر ما فعل غول كورونا بأطراف خارطة إيطاليا، ولم تنج منه إلى حدّ الساعة إلا مناطق محدودة أهمّها منطقة روما ـ لاتسيو التي تقسم البلاد إلى نصفين: جنوب فقير تقليدي، وشمال غنيّ متنطّع.
صبرا جميلا أيها الأجوار ولنا من الصبر بالمثل وأكثر.