كلّ يوم، يأخذ الحجر الصحي الشامل شكلا مختلفا وينأى بنا عن صورة الاحتجاز التي سيطرت علينا في اليوم الأوّل. لم نكن مؤهلين للتصرّف الذكيّ في المكان… نفس المكان الذي نعود إليه مساء لنستغلّه بكلّ جهل وكأنّنا لا ننتمي إليه أصلا.
ومع الوقت، اكتشفنا أنّ البيت فضاء حقيقيّ يمكن التعامل معه بكلّ حميمية. وقد أجزم أنّ بعضنا لم يكن يعرف بيته جيّدا وقد لا يكون دخل بعض الغرف فيه لمن له بيت فسيح طبعا. والبعض أيضا تعوّد على أريكة في قاعة الجلوس، وكرسيّ عند المائدة إذا نودي عليه “حيّ على الأكل”.
الحجر ليس سجنا، بل الشارع هو الحبس المفتوح الذي نتعذّب فيه على طول طرق الأسفلت بأحذيتنا أو بعجلات العربات، وبين “آلو… هاني جاي”، و”بقداش كيلو البطاطا”، و”سيدي يامحني، الكار عملت روتار” يمضي اليوم ثقيلا. أليس هذا سجنا؟
البيت عرين، نحرسه ويحرسنا، ونحنّ إليه فيدفّئنا، ونتفنّن في تطويعه ليخدمنا. ولعلّ المرأة العاملة أكثرنا احتفاء بالبيت… تتفقّد أرجاءه… “تخمّل” وتتأمّل وتتحمّل جلبة الصغار و”تخرنين” الكبار، لكنّها تنعم بذلك كلّه لأنّها في البيت رئيسة نفسها، وحين تجد فجوة بين كلّ ذلك تطلق العنان لبعض “الهبلات”… إمّا غناء أو رقصا أو رياضة ولا تنسى الحصّة اليومية من الثرثرة مع صويحباتها عبر الهاتف أم الميسانجر صديق المحجورين.