مرّوا أمامي كاّنّهم شُهُبٌ أولادي وأولاد الجار والصُّحُبِ العيد عاد […]
مرّوا أمامي كاّنّهم شُهُبٌ
أولادي وأولاد الجار والصُّحُبِ
العيد عاد وما بالأمر من قِدمٍ
والعيد عند بعضنا نقدٌ ومرحمةٌ
والأمر عندك يا كورونا فاجتهدي
حتّى يعيش المال في الحُجُبِ
لن أصرف مهبَى لطفلي ولا لصاحبه
عيد عاد بكلّ الفُجْءِ والعجب
هذا الشاعر المغمور يقول كلاما غريبا غرابة تعبيره وعباراته. فقد ذكر العيد بخير على عكس المتنبي حين سلخ كافور الإخشيدي ليلة العيد ثمّ فرّ من سجنه بمصر، ثمّ إنّه ذكر الأطفال وعادة حصولهم على ما يجود به الكبار عليهم من ملاليم أو دنانير، بل إنّ “الخضرلاف” من فئة الخمسة دنانير لم تعد تملأ عيونهم وهم يتابعون بكل حرص أسعار العملة، ولن يتأخروا عن المطالبة بالـ”خضرلاف” الكبرى من فئة الخمسين دينارا وقد يحتجون على الحكومة مطالبين بمنحة الـ200 دينار التي صرفت بالفئات المحتاجة.
طيّب، هذا الشاعر قال ما قال وهو ـ على ضعف نظمه ـ محقّ في إثارة موضوع الهبات التي كانت دوما تسعدنا صغارا، ومازالت تغذّي وتوسّع ما تبقّى في قلوب الأطفال من فسحة للحلم.
وحقيقة نتساءل: هل سترتفع أصوات الأطفال ويعبق عطر سعادتهم في الأجواء والأنحاء والأحياء، وهل سيتقبّلون ألاّ يخرج المصلّون من الجامع وقد ملؤوا من البارحة جيوب أثوابهم بالقطع النقدية (حتّى يسعدوا أقصى ما يمكن من طالبي “المهبة” دون الإضرار بمصروف الدار)؟ وهل يرضى الكبار بالحرمان من قبلتين نديّتين على الخدّين من كلّ ثغر شاكر للعطاء؟
عيد الفطر مناسبة سنويّة محمودة بما وجب فيها من أداء لزكاة الفطر التي تزكّي صوم الصّائم وتبارك سعيه، وتحلّ للمحتاج أن يأخذ من مال الغنيّ بلا منّة ولا استنقاص، وتعمّم الفرح على الجميع بإنصاف استثنائي. هذا ما قضى به الدين الحنيف. والوجه الاجتماعيّ لهذه المناسبة كانت دوما تلطّف الفوارق بين الناس، ومن زاد على ذلك فقد أفلح.
أمّا ما يهمّنا هنا فليست مسألة فقهية… هي تلك الرّوح الحالمة التي تطوف على الرؤوس الصغيرة طيلة الأيّام الأخيرة من شهر الصيام، ولياليها، وما تبنى من قصور وردية في صدورهم المتوهّجة بحبّ الحياة، ومنهم من يدفع “المهبة” لقاء تخمة من الحلوى واللعب والمثلجات و”كسكروتات المرقاز” التي يتفنّن البائعون في العبث بها وملئها بكل شيء إلا ما ينفع…
ومن الأطفال من يعود بالملاليم التي جمعها من الجيران والأقارب ويسلّمها لأمّ بلا مورد رزق، تركها زوجها أو طليقها تصارع ابتلاءات تربية الأبناء بلا سند ولا رفيق. هل سيشبع البعض بـ”المرقاز” المغشوش؟ وهل سيعود أولئك بحصاد يوم “المهبة” فتفرح الأمّ فرحتين: فرحة بالملاليم على قلّتها، وفرحة بشجاعة أطفالها الذين يكبتون شهواتهم ـ على عكس أقرانهم من أبناء العائلات الموسرة ـ ويوفّرون للعائلة المحرومة سببا للفرحة؟
فيروس كورونا هذا العام هو الخصم والحكم… والعيد سيكون رهينة بين مخالبه، والفرحة ستكون صوتا بلا صورة… زهرا بلا عطر… وجها آخر للامتحان الكبير الذي نعيش سكراته ولا نقوى على رفع رؤوسنا أمامه ولا نجرؤ على تحدّيه وتجاهله والمغامرة بإعلان حبّنا لبعضنا وتواددنا وتراحمنا في عيد المرحمة.
لعلّ ما يحدث يكون درسا نستوعب قسوته، وحتّى الأطفال سيذكرون أنّ هناك ما يجب الاحتراس منه حين يكبرون…
ناجي العباسي