بقلم: علي الجليطي هذا الوباء الجديد الذي أصاب العالم هو […]
بقلم: علي الجليطي
هذا الوباء الجديد الذي أصاب العالم هو فاصلة في تاريخ البشرية. سيكون فعلا لنا زمن لما قبل الكورونا وزمن آخر لما بعد . نعم، من الأرجح ألا أحد كان يتوقع هذه المصيبة التي حلت بالبشرية دون استئذان. ولم نعدّ لها ما يقينا شرها، ولكن ربما ستكون خير حافز في المستقبل للاستعداد للحروب القادمة من هذا النوع الخبيث وغيره مما قد يحلّ بالبشرية. وهذا هو دور الحكماء والعلماء والمجتهدين من قادة المعرفة والفكر والسياسة وصناع الرأي.
ومن أجل ذلك، أن تستعين بالله وتتوكل عليه مبادرة طيبة ومحمودة، ولكن أن تجتهد وتحكّم العقل وتعوّل على العلم والمعرفة والعمل فهو بداية النجاح، أمّا أن ترضخ للواقع وتُكثر من الشكوى، وتنتظر صاغرا حُكم الرب، وتختفي وراء القضاء والقدر فهو بداية الفشل. لنترك لأهل العلم تحليل هذا الوباء الذي فتك حتى الآن بما يزيد عن ثلاثين ألف ويهدد حياة ما يفوق ستمائة وخمسين ألف آخرين. ولننظر من جانبنا في الظواهر التي أفرزها منذ انتشاره بين أصقاع الأرض من مشرقها إلى مغربها.
ماذا لو بدأنا من هذه الزاوية بالنظر عن قرب لبعض من هذه الظواهر. ولنكن موضوعيين، ففي هذا الوباء كثير من الشر وكثير أيضا من الخير. لنبدأ بما هو ايجابي، تفاؤلا وتعزيزا لروح الأمل والطمأنينة.
1- فمن المؤكد أن وباء الكورونا قد كان- مع الإجراءات التي اتخذت اتقاء لشره- من أهم الأسباب التي خففت مما أسميه إرهاب الطرقات أي حوادث السير حيث تقلص عدد الحوادث والقتلى والجرحى بحوالي النصف خلال شهر مارس مقارنة مع شهري جانفي وفيفري (أنظر إحصائيات المرصد الوطني للمرور) وهو لعمري كسب لا يستهان به.
2- ألم يكن لانخفاض الحركة المرورية الخاصة والعامة وتقلص سير الآلة الاقتصادية من مصانع ومعامل ومختلف مؤسسات الإنتاج – مع ما في ذلك لا محالة من ضرر لأصحابها وعمالها- من تأثير ايجابي على تحسن نوعية الهواء وتراجع ولو نسبي لتلوثه.
3- من ينكر أن هذا الفيروس فرض علينا عادة طيبة هي النظافة والعناية بالمحيط -على الأقل الداخلي- من غسل اليدين والملابس واستعمال الصابون والمطهّرات للبيوت والمعقّمات للتجهيزات والمأكولات وغيرها مما لم يكن في تقاليد الكثير منا. أليس ذلك من جراء خوفنا من انتشار الوباء واحتياطا من وصول عدواه إلينا عملا بالوقاية خير من العلاج.
4- هل لاحظتم كيف بات الاقتصاد العائلي نصف المعيشة. فرغم اللهفة التي صاحبت انتشار الوباء، فان أرباب العائلات عادوا إلى تقليد “العولة” ولو بطريقة السرعة التي يفرضها العصر. وما نراه أكثر قيمة هو كيف أصبح الخبز اليوم عزيزا مكرّما بعد أن كانت فواضله في السابق ذليلة ملقاة على قارعة المزابل، حاشى نعمة الله.
5- وأخيرا حتى لا أطيل عليكم، من ينكر “فضل” هذا الوباء فيما شاهدناه من مد اتصالي غمر العائلات شرقا وغربا، فبات جمعها مجتمعا بقدرة التكنولوجيا والعلم التي وفرت أدوات التواصل الاجتماعي من هاتف مسموع ومصور، ومن ينكر هذا المد التضامني بين الأجيال والفئات والجهات، ومن لم ير ويسمع عن ذلك السخاء التطوعي التلقائي لفائدة المصلحة العامة والخاصة.
هذا قليل من كثير بسبب، وبفضل هذا الوباء… حتى أنه يمكننا القول “عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”… ولكن هل نقف في “ويل للمصلين” ونمر؟ هل نكتفي بالنظر لوجه الخير وننسى الشر في أصل هذه الجائحة المصيبة ونتائجها الوخيمة بل الكارثية؟ هذا ما سأحدثكم عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.