تونس الان بقلم حافظ الغريبي يبدو أن الاتحاد العام التونسي […]
تونس الان
بقلم حافظ الغريبي
يبدو أن الاتحاد العام التونسي للشغل اختار ان لا تمر الذكرى السبعين لاغتيال الزعيم فرحات حشاد كسابقاتها وهي التي تسبق بأيام قليلة اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، فبعد مباركة لما حدث في 25 جويلية ثم الحياد النقدي والتركيز على العمل النقابي، استعاد الاتحاد جبته الوطنية التي عرفناه بها والتي خال للبعض انه أضحت أصلا تجاريا لشخص نجح في نزعها عن قيادات أحفاد حشاد ومعها كل الطبقة السياسية وفي وضعهم في مربع ضيق طيلة المدة المنقضية.
لقد اختار الاتحاد ذكرى اغتيال حشاد، الذي كانت الشرارة وراء اندلاع الثورة الوطنية سنة 1952، للخروج من مربع الحياد والحياد النقدي من فينة الى أخرى الذي التزم به منذ سنة ونصف السنة والإعلان رسميا أنه “فاعل أساسي في مسار الإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي والاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي” على حد تعبير امينه العام نورالدين الطبوبي في كلمة القاها بالمناسبة وسط حشد نقابي هام.
وعبارة “فاعل أساسي” الصادرة في البيان- الخطاب المقروء من الأمين العام، بما يفهم أنه مصادق عليه من كل قيادات الاتحاد، تعني اجماعا داخليا على الدور الذي يريد الجميع أو على الأقل الأغلبية أن يلعبه الاتحاد في قادم الايام وبما يعني كذلك اتفاقا ضمنيا على عدم الموافقة على السياسات المنتهجة من القيادة السياسية والتي وصفها ذات البيان الذي قرأه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل “لعبا على الذقون” على اعتبار التناقض بين تصريحات رئيس الدولة وتصريحات وزرائه في ملفات الدعم والمؤسسات العمومية وعلى اعتبار ما تتسم به السلطة الحاكمة من “غياب الشفافية وازدواجية الخطاب” الموجه للشعب.
ذات البيان-الخطاب قدم تقييما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للوضع العام فاعتبر ان:
- البلاد تعيش وضعا خانقا وتدهورا على جميع الأصعدة
- الفقر ضرب الطبقة الوسطى والمديونية تعيش “ارتفاعا شاهقا”
- الأسعار ارتفعت وافقدت الزيادة الأخيرة في الأجور قيمتها
- الانتخابات لا طعم لها ولا لون جاءت وليدة دستور لا يحظى بالإجماع
وخلص الى أنه:
- لا قبول بقانون مالية لا يراجع الجدول الضريبي ويضمن عدالة جبائية
- لا قبول بالمسار الحالي وان بناء الديموقراطية لا يتم بتطمينات شفوية
- التعيينات كرست تعميم الفشل مركزيا وجهويا وقطاعيا
- آن الأوان لتعديل حكومي
- العقل السياسي هو الازمة الحقيقية
هذا البيان-الخطاب القوي والمليء بالرسائل الملغمة جاء معلنا ان الاتحاد غيّر قواعد اللعبة وأنه خرج من المربع الذي تم حشره فيه بعد 25 جويلية وأقحم في ذات المربع السلطة الحاكمة التي ستجد نفسها تناور في هامش ضيق جدا بين املاءات صندوق النقد الدولي وضغوط اتحاد الشغل الذي سيكون مسنودا بغالبية القوى السياسية والقطاعية والشعبية والحقوقية.
بما يعني أن الاتحاد رسم خطط معاركه القادمة التي سيكون عمقها سياسي بالأساس، فعلاج الازمة الحقيقية يفترض إعادة “فرمطة لوجسيال” العقل السياسي وستكون تفرعات ذات المعارك نقابية وقطاعية واجتماعية وحقوقية فالمطالبة بتعديل الأجور لمواجهة طوفان الزيادات في الأسعار وفرض إصلاحات اقتصادية تراعي حقوق الفئات الضعيفة والطبقات المتوسطة وتحييد القضاء وفسح المجال لحرية التعبير وغيرها من المعارك ستكون أسلحة الاتحاد التي سيعتمدها بغاية العودة للعب دوره التاريخي من جهة وإعادة التوازن المفقود بعد أن نفر التونسيون الأحزاب..
وبين رئيس دولة لا توجد بعلبة تغيير سرعته درجة السير الى الخلف وبين أضواء رفرافة عدة بعضها تحوّلت حمراء وبين جدار مواجهة تعزز بخط صدّ شرس اسمه الاتحاد يبدو أن لا شيء يحول دون المواجهة غير الجلوس الى مائدة الحوار، فهل يجنح الجميع الى الحوار البناء والمسؤول ام ترى تونس قادمة على معركة الفرز الأخير؟
حافظ الغريبي