رأي: تحتفل تونس اليوم كبقية الدول باليوم العالمي للصحافة، في ظرف تعيش فيه البلاد ازمة متعددة الأوجه زادت وضع الصحافة الوطنية تعقيدا..
تونس الآن
بقلم: حافظ الغريبي
تحتفل تونس اليوم كبقية الدول باليوم العالمي للصحافة، في ظرف تعيش فيه البلاد ازمة متعددة الأوجه زادت وضع الصحافة الوطنية تعقيدا..
فالصحافة المكتوبة على سبيل الذكر لا الحصر، وهي أم الصحافة، تعيش أسوأ بل أحلك فتراتها بعد تراجع مداخيلها القائمة أساسا على الاشهار الى 10 بالمئة فقط من مجموع ما كان يرد عليها سنة 2010 في حين ارتفع عدد الصحف الرقمية الى ما لا عدّ له في غياب تنظيم واضح للقطاع.
كما تراجع بيع الصحف الورقية الى حدود دنيا ناهزت عشر ما كان يباع في 2010 في أفضل الحالات بما يعني ان المؤسسة أضحت غير قادرة حتى على تغطية كلفة اقتناء الورق فما بالك بخلاص الأجور ودفع الاشتراكات الاجتماعية وبقية تكاليف الإنتاج.
وأضحت الصحف الرقمية رهينة رضاء فايسبوك الذي أصبح أكثر جشعا من أي وقت ولا يسمح بترويج المقالات المنتجة الا بمقابل يفوق ما قد تجنيه المؤسسة من إعلانات.
وقد انعكس ذلك مباشرة على الإنتاج الصحفي فتراجع منسوب الكفاءة الى حدود دنيا في غياب تكوين أكاديمي كفء ورسكلة مطلوبة من جهة وفي ظل ضعف الأجور من جهة اخرى بحكم عجز المؤسسات على تحقيق التوازن المالي الشيء الذي جعل الكفاءات على قلتها تهجر الميدان لتزيد طينه بلة.
في المقابل ظلت مشاريع الإصلاح نائمة في رفوف القصور الثلاثة (باردو، القصبة وقرطاج) فلا القانون الذي اعدته أطراف المهنة تمت المصادقة عليها ولا الاشهار العمومي تنظّم ولا الدعم على غرار ما هو موجود في بقية الدول توفّر رغم كثرة المقترحات ووجاهتها والتي لا تكلف خزينة الدولة شيئا.
ولا يختلف الحال في المؤسسات التلفزية او الإذاعية رغم تعدد منتجاتها التي لا تقتصر على العمل الصحفي فحسب كما الامر في الصحافة المكتوبة بل تنوعت، وقد بالغت هذه المؤسسات في اسناد أجور سخية للمنشطين رغم علم مسيريها بالكلفة الباهظة للإنتاج والبث وهو ما جعلها تسقط في خانة عدم الإيفاء بتعهداتها بعد ان فاق الانفاق المداخيل.
ولمزيد تعميق الازمة طفقت هذه المؤسسات تخفض في أسعار بيع المساحات الاشهارية بما زاد وضع الصحافة المكتوبة تأزما وحوّلها في الان نفسه الى قنوات بيع “الكسارونات” وحتى البعض من المنشطين تحوّلوا الى “صنّاع” في تلك المتاجر يروجون لمراهم التجميل وللعسل الحرّ ولأواني الطبخ.
ان ما يحدث يجعلنا نتساءل هل هي رغبة لترك الوضع يتأزم حتى يتحقق الفرز ام هو عدم الاقتناع بجدوى الصحافة وطنيا.. الثابت والمؤكد انه مهما كان السبب فان النتيجة واحدة وهي ان الصحافة الوطنية تحتضر وان الموديل القادم سيكون اعلاما فايسبوكيا او اعلاما مدعوما من الخارج غير معوّل على الاشهار الوطني لكنه يخدم اجندات بعينها تحت يافطات عدة من صحافة تقصي الى خدمات جمعياتية الخ..
في المحصلة تعيش الصحافة الوطنية اخر معاركها، ليست معركة حريات كما يروّج لها البعض بقدر ما هي معركة الخروج من حالة الافلاس الذي ضربت المؤسسة وارباب العمل وامتدت للصحفيين وستنتهي بإفلاس فكر التونسيين.
حافظ الغريبي