تونس الآن هل تساءلتم يوما… هذه الأيّام بالذات عن مدى […]
تونس الآن
هل تساءلتم يوما… هذه الأيّام بالذات عن مدى تغلغل فيروس كورونا في ثنايا البلاد وفتكه بالعشرات، وإصابته الآلاف بعد أن قفزنا منذ 27 جوان، من ألف إلى خمسة أضعاف ذلك. لماذا؟
لقد قالوا لنا لا تخشوا فتح الحدود لأنّنا اقتصادنا لا يتحمّل الإغلاق وسيهجم علينا السيّاح “بالبالة”، وسنشبع من حزم العملة الصعبة لأنّنا ـ إلى حدود نهاية جوان ـ قد عزلنا الفيروس ورميناه في البحر. وقد تفننّت حكومة الفخفاخ المرحومة في بلورة بروتوكول خاص بالمسالك والفضاءات السياحية ورصدت الأموال لذلك المخطط العملاق الذي لن يجاريه صديق ولا عدوّ.
انتظرنا مع أوّل طائرة وباخرة المدد من وراء البحر ولم يأت، واصطبرنا على الرحلات المتتالية فما موّلتنا إلاّ بالعدوى من أبناء البلد الذين أصرّوا في أحيان كثيرة على مغالطة بوّابات المراقبة الصحّية وغرقنا في متاهة العدوى الوافدة، ثمّ بدأ مدّ العدوى المحليّة يتمطّط وينتشر، وأصبح همّنا أن نرى ـ على الأقلّ ـ جهة أو جهتين بلا عدوى. لكنّ ما حدث كان استعمارا حقيقيّا فرضه علينا فيروس حمله إلينا المتسلّلون والعائدون إلى أرض الوطن وكلّهم شوق لحضور الأعراس والمآتم فكانت الكارثة. من المسؤول في رأيكم؟
لا أستثني أحدا حين أوجّه أصبع الاتهام إلى الفخفاخ الذي فخّخ قرار إقالة 6 وزراء من بينهم وزير الصحّة… يعطيه الصحّة. لقد أعمته حمّى الانتقام ممّن نادى بالإطاحة به سياسيا وجزائيّا عن حمّى الجائحة فعادت بأنياب تعضّ وتنهش… تونس تحمل على أكتاف حكومة مستقيلة ذنب إصابة 5 آلاف من رعاياها بجائحة سبق أن جوّعتهم وتسبّبت في إحالة المئات على البطالة، ثمّ حين فتحت الحدود لم ننل من ذلك سوى الحسرات والعدوى الضاربة في كلّ شبر ومازالت متعطّشة لمزيد من المآسي بعد العودة المدرسية والجامعيّة المنتظرة.
من المسؤول؟… أنا وأنت، ومن أيضا؟
الذين عبثوا بسمعة البلاد أجرموا في حقّنا، وكمّمونا بعد أن زرعوا الألغام حولنا. إنّ مئات الآلاف الذين يغادرون منازلهم كلّ صباح لا ضامن له دون العودة بخنزير مجهريّ يلتصق بمناخير أنفه أو تجاويف حلقه، أو بملابسه ليهديه إلى أهل بيته، وهكذا سنظلّ نتخبط في أحبولة الفيروس السياسيّ المقيت، ونتسلّى بأرجوحة الأمل الكاذب، ونتنفّس هواء يقطع عنّا النفس إمّا بعدوى فيروس قاصم، وإمّا بخوف من مستقبل غامض مظلم لا لقاح له.
ناجي العباسي