منذ تمّ الإعلان عن نيّة الدولة التونسية فتح الحدود والسماح […]
منذ تمّ الإعلان عن نيّة الدولة التونسية فتح الحدود والسماح بعودة التونسيين المقيمين بالخارج في رحلات منتظمة بعد سلسلة رحلات إجلاء العالقين من غير المقيمين، وكذلك لتشجيع السياح على قضاء عطلهم ببلادنا بعدما أشرفت على التخلص ـ مبدئيّا من الوباء، تتالت الإجراءات المتخذة في بتباين تامّ بينها، وأثارت حفيظة المجتمع العلمي الوطنيّ ـ رغم تفهمهم للدوافع الموضوعية لذلك الانفتاح على العالم ـ لأنّ المعطيات العلميّة الصرفة لا يمكن ترجمتها إلى خيارات سياسيّة، ولأنّ الهدف الأسمى في نظرهم هو التصدّي جذريّا للجائحة، وهو الداعي الرئيسي لإغلاق الحدود خلال أشهر الربيع.
ومن المشروع حقّا أن يتساءل التونسيّ عن تتالي الإجراءات، وعن الارتباط المريب بين ضرورة السماح للتونسيين بالعودة إلى بلادهم، وبين إجبارهم على الاستظهار بشهادة سلامة بعد إجراء تحليل من فئة PCR. وفي هذا المعنى سأطرح مثالا معيشا.
حين نشرت وزارة النقل واللوجستيك جدول رحلات الإجلاء التي تمّ توزيعها على عدة وجهات جغرافية، حاولت مواطنة تونسية مقيمة برومانيا التسجيل لضمان مقعد في رحلة تمت برمجتها يوم 20 جوان لإجلاء تونسيين انطلاقا من العاصمة الرومانية بوخارست في ظلّ غياب رحلة أخرى انطلاقا من العاصمة الصربية بلغراد، وهو خيار يلجأ إليه مئات التونسيين من الطلبة المقيمين بالجزء الغربي من رومانيا نظرا لقرب المسافة بينهم وبين بلغراد، حينها حاولت المواطنة الاتصال بمستشفى بالمدينة التي تقطن بها لإجراء تحليل PCR قبل يوم السفر بثلاثة أيام حتى لا تفقد الشهادة السلامة من العدوى جدواها التي حددتها وزارة الصحة التونسية بـ72 ساعة، أخبرتها إدارة المستشفى أنّ ذلك لا يبدو ممكنا طالما لم تظهر عليها أعراض الإصابة. وبكلّ بساطة قالوا لها إنّ الأولوية للمصابين والأصحاء لا يمكنهم التوصّل بنتائج التحليل فبل 4 أو 5 أيّام.
وبسبب هذا المعطى أصبح إجلاؤها غير ممكن أصلا لأنّ نتائج التحليل لن تكون مقبولة في تونس. وقد تساءلت: لمّ لا يتمّ إجراء التحليل في تونس بالذات سواء أكان ذلك متبوعا بحجر صحّي إجباري ام حجر صحّي ذاتي؟ وهل يعقل أن يتوقّع التونسي التفهّم من بلد أجنبيّ ولا يأمل في مثله في تونس؟ وهل لاحظت السلطات في تونس انّ هذا الشرط ـ على مشروعيته علميّا ـ يبدو تعجيزيّا عمليّا، بدليل إلغاء عديد وكالات الأسفار لما كانت برمجته من رحلات اصطياف نحو تونس؟
المسألة تتطلب بعض الوضوح والجرأة لفصل العلميّ عن السياسيّ والاقتصاديّ في ظلّ كورونا واعتبار صحّة المواطن أهمّ من معادلة الربح والخسارة، أو اعتبار المواطن المقيم في الخارج حاملا فطريّا للفيروس حتّى يثبت العكس.