ولدت في قرية، من طين الطفولة وحقول الماء واللوز والزيتون والتين وبيادر تحن اليها المحاريث في مهرجان الحصاد.. وبعض الفقر وكثير من الحب.
لم اقترف يوما لعنة انتماء الى اي تجمع سياسي.. أو أن اروّج لأي صنم من الاصنام .. لأني اعرف انهم، ومع افتضاح أمرهم بمرور الوقت (آجلا أم عاجلا).. سوف يحملون احزابهم في حقائبهم بكل هدوء.. مع أموال شعبنا المنهوبة ويرحلون دون ضجيح كما اللصوص تماما…. وينقرضون كطيور الحرائق.
اخترت ان احتفظ بجسدي كاملا.. حين خيّرتُ يوما ان انضوي تحت لافتة حزبية خادعة.. فتظاهرت بالمرض طيلة اسبوع بعيدا من مكتبي في العمل.
فالانتماء بالنسبة لي يعني: ان تقسم جسدك الى نصفين.
قلت:
– فالتحزب.. يعني لي، ذلك، كذلك.
تعطيهم النصف الاعلى..
وتبقي الاسفل.. او العكس.
يعني ترى ولا تستطيع السير.
وان اعطيتهم الاسفل
فإنك تصير أعمى..
يعني أنك مُقْعد في كلا الحالتين.. وصاحب اعاقة حتى الممات.
لذلك فضلت ان احتفظ بجسدي كاملا لي.. ولتونس… ثم لجغرافيا الكون.
خيرتُ ان لا أفقد كَوْنيتي.. انسان العالم في اعماقي.
لان الذي يجري في بلادي ومنذ عقود.. هو كابوس مرعب للجميع.. بل هي بئر مُعبّاة بالجهل والانانية والخديعة وصناعة الوهم وتعاظم الفساد.. وكل هذا المزيج من الهواء الفاسد والاختناق.
إن ” غُودُو ” لن يأتي، وانتظاره نوع من ممارسة المستحيل، من التعامل مع الباطل..
لا تنتظرْ أحدا، لا تنتظرْ شيئا، لا أحد يأتي ليأخذك مثل أمك من أطراف قلبك.. الكُلّ قَبْض الريح، وما ثمة من جدوى..!
في يوم من الأيام وُلدنا، في يوم من الأيام سوف نموت.. ألا يكفي هذا..؟! فالأمهات يَلِدْن إلى جانب القبر، كما قال لنا ” صموئيل بيكيت “… وهكذا.. نتوارى.. نسقط في صمت، او نحترق مثل الاشجار التي لم تعد تصلح للحقل..