كلمة كَرُّوشْ ” تعني عندنا – حمار – ولا اعلم […]
كلمة كَرُّوشْ ” تعني عندنا – حمار – ولا اعلم هل هي متداولة عند الجميع خاصة في البوادي والارياف..ونُطلقها عادة ومن باب التندّر على شخص اتى تصرفات طائشة وغير مسؤولة واحيانا متهورة..
اما السيد ” Coluche” فاغلب جيلي يعرفه جيدا.. بدا مسيرته الفنية في التمثيل المسرحي والسينمائي ، ثم سطع نجمه في فرنسا والبلدان الفرنكفونية وحتى عالميا حين اتخذ لنفسه ولمهنته منحى الفنان الساخر الراقي الذي يلامس الواقع الفرنسي بكل حيثياته وتفاصيله وتناقضاته ، ويعالج باسلوبه البسيط الساحر واللاذع… مشاغل وهواجس وهموم الفرنسيين خاصة الطبقة الاجتماعية المهمشة ، ويرصد بدقة متناهية الاعيب السّاسة الفرنسيين واحابيلهم وأساليب حكمهم ، حتى صار اهل السياسة على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم يقرؤون له الف حساب طيلة حياته ..بل ظل يتملكهم الرعب والخوف في حِلّهم وترحالهم ، وفي كل جملة ينطقون بها ، واي سلوك ياتونه او مبادرة يطلقونها عبر اغلب المحطات السياسية في فرنسا.
ولن اطيل عليكم ..فالرجل مات صغيرا مع بداية اواخر ثمانيات القرن الماضي ، وقبل ذلك ، وبفضل شعبيته التي لا نظير لها ، ورصيده الابداعي المتميز ، ترشح ذات مرة للانتخابات الرئاسية الفرنسية.. غير انه انسحب من السباق حين أدرك انه يجب عليه عدم تشتيت الاصوات..وترك الفرصة للمترشح الاجدر…وبذلك وبرغم موته المبكر..فقد ترك ارثا فنيا عظيما..وبصمة مضيئة في قلوب وذاكرة الفرنسيبن جيلا بعد جيل والى يومنا هذا..بل صنعوا له تمثالا برونزيا يخلد اسمه ومسيرته الابداعية التي كرّسها للدفاع عن الفقراء والمهمشين والبائسين..هذا الى جانب مطاعم اوصى بان تظل مفتوحة بعد مماته
للجائعين والبؤساء دون تمييز او استثناء..
اعود الى كلمة ” الكَرّوش”.. ولا اخفي اني اقصد ما يقوم به المسمى” لطفي العبدلي” واشباهه الذين تعج بهم غلطا ” الساحة الفنية” في بلادنا ، وهي بطبيعة الحال، لا تخرج عن نطاق منظومة كاملة فاسدة حملتها لنا رياح ” الشلُوقْ” الخاطئة ايضا كما يسمونها البَحّارة عموما، وهي رياح ليس فيها ما نذوق..منذ عشر سنوات من الجمر واليأس والعذاب.
فالرجل ، وان كنت متأكدا انه مُطّلع بما فيه الكفاية وله خلفية معرفية باصول الفن المسرحي والدرامي وحتى السينمائي ، غير اني على يقين بانه يمارس مهنته بالمقلوب وبأبشع ما يكون..بل انه على حد تعبيرنا الشعبي ” فهم كل شيء بالغلط”…ظنا منه انه من الفنانين الشباب المجددين، وله خصوصية وتفردا وحتى دهشة وذهولا..ولا بد له ان يظل كذلك خارج السرب تاسيسا وتأثيثا لمشهد مسرحي غير مألوف حتى وان بَالَ على امه وابيه – حاشاكم – وبذلك يتخلص من سلطة الدين والعرف والاب والعشيرة.. ومن الشجرة التي تغطي الغابة تحت لافتة ” الابداع” والتخلي عن لزوم ما لا يلزم “.
لن اطيل التحدث ياسادتي الكرام ، فالجميع يعرف ما اتاه صاحبنا من قبح وسلوك مشين وبشاعة وانحطاط في حق الفن ، والذوق العام ، ومن سطحية وركاكة ورداءة بكل المقاييس والمعايير الفنية ، وقلة حياء تامة العقوق والشروط بصفة مجانية ومبتذلة جدا لا تمت لاي تقاليد ابداعية او نفس حَدَاثوي متجدد يغوص بعمق واناقة ويفضخ المشهد السياسي والاجتماعي بكل عيوبه ..وهو اسلوب مهترىء لم يعتمده حتى الاديب والمسرحي الفرنسي ” جون جيني” “Jean Genet المحسوب على المِثْلية وسوء الاخلاق ..ولا تؤسس الا لحماقات اخرى ، ومزيد التوغل والتغريب فيما نحن عليه من تفكك ورداءة وانحراف وفوضى على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية..
انا لست معنيا بالاحزاب..وكل الكذابين الذين يتحكمون في رقابنا اليوم ، يمينا ، وسطا ويسارا..ولن اقف يوما مدافعا عن احد فيهم مهما كان صهيله ونفاقه..لكن بَدَل ان نؤسس للنهر ضفافا ارحب خضراء نقية ودائمة.. ها نحن نركض للمستنقع كل يوم بأدوات البلاهة والروائح الكريهة..
ان الجنون والحرية في الفن..ليس الجنوح به الى حد اباحة نشر عُرينا وعُرْي الاخرين في كل حين بالمجّان ، ومن باب التشهير والبحث عن الكسب ، والشهرة باقبح الادوات وابخس وارخص الطرق واسهلها من باب .. ” خالف تعرف”..وليس بالامر السهل ان يدعي الجنون اي فنان او رسام او شاعر ، ويلبس جبة الحلاج او ابن عربي او السَهْرَوَرْدي..لان الامر يتطلب جهاد خمسين عاما على الاقل من المكابدة والصبر والغوص في ادغال المعرفة والحكمة..فما بَالُكم بصاحبنا المراهق..
الفن يااا سادتي الكرام ، وكما تقول قاعدة بياناته هو : ان تتحدث للناس عن التفّاحة دون أَكْلها..!
ثم.. آهٍ.. لو ذاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْني..على حدّ تعبير حكمة العرب..!