عالمية: "اليمين المتطرف" وصف يُطلق على تيار سياسي يتركز أساسا بأوروبا ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، ولديه تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتسم بميل شديد للمحافظة الدينية المسيحية.
“اليمين المتطرف” وصف يُطلق على تيار سياسي يتركز أساسا بأوروبا ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، ولديه تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتسم بميل شديد للمحافظة الدينية المسيحية.
ومن أشهر أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا “الجبهة الوطنية” بفرنسا المعادية للأجانب والإسلام، وحزب الوسط الديمقراطي في سويسرا، الذي كان وراء استفتاء على منع بناء المآذن في البلاد أجري يوم 29 نوفمبر 2009، و”حركة بيغيدا” الألمانية التي تأسست عام 2014 والمناهضة لما تدعوه “أسلمة الغرب”.
ظهور المصطلح
عندما انطلقت الثورة الفرنسية عام 1789، غيرت وجه السياسة العالمي، حينها اجتمع السياسيون لمناقشة حق النقض الذي كان سيُمنح للملك حينها، ومع احتدام النقاش تجمع الموالون للملك لويس السادس عشر ولسلطته الكاملة إلى اليمين، أما الموالون لسلطة محدودة للملك فقد تجمعوا إلى اليسار، وكتبت الصحف الفرنسية عن تلك الحادثة وبدأ مصطلح اليمين واليسار، وشيئا فشيئا أصبح اليمين سمة “التقليديين” المحافظين على تقاليد الحكم المعترف بها، أما اليسار فأصبح سمة “التقدميين” الذين يؤمنون بسلطة الشعب.
هذا في عالم السياسة، أما في الاقتصاد فالأمر معكوس تماما، فاليمين يكون مع عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد (سوق حرة، ضرائب أقل، ورأس المال هو الأقوى، ولكل إنسان فرصته للتقدم)، أما اليسار فهو مع أن تكون الحكومة صاحبة الدور الأكبر في الاقتصاد، وأن تكون الضرائب أكثر على الأثرياء من أجل مد الحكومة بالمال والقوة، لإعادة هذه الأموال للناس عبر التعليم والصحة فتتحقق المساواة.
لكن مع مرور الوقت جنح بعض اليمينيين يمينا، ومنهم أدولف هتلر وبينيتو موسوليني، وهكذا ظهر بعد اليمين ما يعرف بـ”أقصى اليمين”، وسمي أيضا “اليمين المتطرف” وتشكلت الفاشية والنازية، كما ظهر أيضا إلى جانب اليسار مفهوم “أقصى اليسار” أو “اليسار المتطرف” في فترة صعود الاتحاد السوفياتي الذي ظهرت معه تيارات يسارية متشددة وتدعو لما تسميه العنف الثوري.
النشأة والتطور
اتفق الدارسون للعلوم السياسية أن أحزاب اليمين المتطرف تمثل في الواقع الأيديولوجيات الوطنية المنهزمة في الحرب العالمية الثانية مثل النازية والفاشية، أو ما يُعرف في الأدبيات الأوروبية بتيارات الوطنية/الاشتراكية المعروفة بمنزعها العنصري واعتمادها الشديد على العرق محددا وأيديولوجية أساسية في التعامل مع الغير وتصنيفه.
ويتميز اليمين المتطرف في أوروبا بمعاداة شديدة لليهود، لاسيما في ضوء تمكن اللوبيات اليهودية والصهيونية من مفاصل الاقتصاد والإعلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كما اشتدت تلك النزعة مع استغلال تلك اللوبيات المحرقة النازية ضد اليهود لممارسة نوع من الإرهاب الفكري والأخلاقي على الأوروبيين خاصة بعد قيام إسرائيل في حرب عام 1948.
وإذا كانت معاداة اليهود متأصلة في أوروبا -وألمانيا النازية أحد أبرز تجلياتها- فإن الماسونية أيضا من أهم أعداء اليمين المتطرف في بواكير ظهوره، كما كانت له مواقف متحفظة بل معادية أحيانا للأنظمة الجمهورية وللنموذج الديمقراطي الليبرالي، فضلا عن النزعة العنصرية الكلاسيكية.
خصائص مشتركة
رغم أن تشكيلات ومشارب أحزاب اليمين المتطرف تختلف حسب السياقات الخاصة بكل بلد، فإنها تشترك كلها في خصائص عامة ومرتكزات أيديولوجية تميزه باعتباره تيارا سياسيا واحدا ومتجانسا، ومن هذه الخصائص ما يلي:
النزعة الوطنية المفرطة والرافضة لكل أشكال الاندماج الإقليمي (كونفدرالية، اتحاد قاري وغيرها) بحجة حماية السيادة الوطنية.
كما أن لليمين المتطرف نزعة متأصلة نحو رفض الرأسمالية والليبرالية، ليس لذاتهما وإنما خوفا من التحولات العميقة التي عادة ما تصاحبهما، خاصة على مستوى القيم والأخلاق، بل إن اليمين المتطرف معروف بتحفظه على بعض مقتضيات مواثيق حقوق الإنسان في الغرب، ودافعه إلى ذلك ديني نابع في أساسه من التقاليد المسيحية.
ومن ناحية المشاركة السياسية يُمكن تقسيم اليمين المتطرف إلى أحزاب احتجاجية هدفها الأساس تسجيل مواقف وتعبئة مستمرة في صفوف أنصارها، من أجل تسويق خطاب تحريضي هدفه التشويش الإعلامي أكثر من التأثير في واقع الأمور، ويُطلق على هذا الصنف اسم “اليمين الشعبوي المتطرف”.
وهناك صنف آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية جعله يعدّل خطابه ليكون مقبولا لدى جزء من ناخبي اليمين في عمومهم، وملائما كذلك لمتطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية ومن ثم الاختلاف. ومن أمثلة هذا النوع الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب الوسط الديمقراطي السويسري وحزب الحرية الهولندي وحزب الفجر الذهبي في اليونان.
وقد حققت هذه الأحزاب مكاسب سياسية هامة في العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، وشاركت في حكومات وصارت ممثلة في برلمانات بلدانها وكذلك في البرلمان الأوروبي.
أسباب تهميش اليمين المتطرف
اعتبار الأيديولوجيتين الفاشية والنازية مسؤولتين بالدرجة الأولى عن الحرب العالمية الثانية.
اتهام القوى السياسية اليمينية المتطرفة في البلدان التي احتلتها ألمانيا النازية بتعاونها مع المحتل.
تبدل الأولويات
منذ ثمانينيات القرن العشرين، شهد اليمين المتطرف تحولا جذريا في أولوياته، ومن ثم في أعدائهِ وحلفائه، ومعروف أن الحركات المتطرفة تستند إلى هذه الثنائية أكثر من استنادها إلى برنامج سياسي يمكنه أن يجمع حوله أطيافا واسعة من المجتمع.
وهكذا بدأ اليمين المتطرف يهتم أكثر فأكثر بموضوع الهجرة والاندماج مع تصدره النقاش السياسي في عدد من بلدان أوروبا الغربية ذات التقاليد العريقة في الهجرة بحكم الماضي الاستعماري، ثم بسبب الحاجة إلى اليد العاملة القادمة من وراء البحار في مرحلة الإعمار اللاحقة للحرب العالمية الثانية.
وبحلول تسعينيات القرن العشرين، باتت الهجرة الشغل الشاغل لليمين المتطرف الذي يُسوق إشكالاتها العديدة (وأولها الاندماج والهوية) لإضفاء قابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته. وهكذا طوّر اليمين المتطرف خطابه ضد الهجرة لإكسابه حجية أقوى لدى قطاعات أوسع من المواطنين الأوروبيين.
فقد بدأ اليمين المتطرف -وعلى رأسه الجبهة الوطنية في فرنسا- في تسويق خطاب تخويفي يُحذر من أن أوروبا في طريقها إلى خسارة هويتها بسبب الهجرة الواسعة القادمة من البلدان المسلمة وخاصة بلدان شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء.
ووجد هذا الخطاب قبولا متزايدا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، إذ اتخذت أحزاب اليمين المتطرف تلك الأحداث ذريعة للبرهنة على وجاهة قلقها على الهوية الأوروبية والسلم الأهلي في أوروبا.
ثم إن أحزاب اليمين المتطرف جعلت من الأزمة المالية العالمية عام 2008 فرصة نادرة لتسويق معاداتها للعولمة والليبرالية ومجتمع الاستهلاك وفتح الحدود والتخلي عن الحمائية الاقتصادية.
وعلى مستوى آخر، سوّقت هذه الأحزاب فكرتها المؤسسة لمعاداة الأجانب وذوي الأصول غير الأوروبية باعتبار أنهم -حسب دعايتها- يستحوذون على مناصب شغل متزايدة في حين يُكابد ملايين الأوروبيين الأصليين البطالة ومخاطر التشرد. ويُفسر هذا الخطاب النتائج الهامة التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية.
صعود اليمين المتطرف في أوروبا
بدأت ظاهرة صعود اليمين المتطرف واضحة لأول مرة خلال الأزمة المالية العالمية (2008-2009)، فقد فرضت العديد من الحكومات الأوروبية تدابير تقشفية قوضت الثقة بالأحزاب والمؤسسات السياسية الرئيسية، الأمر الذي سهل طريق هذه الأحزاب التي تحمل أيديولوجيا متشددة، كما سرعت أزمة الهجرة في الفترة بين (2014-2016) هذا الاتجاه، مما أدى إلى بدء دخول الأحزاب اليمينية المتطرفة للحكومات في جميع أنحاء أوروبا.
وارتفع الدعم للأحزاب القومية المتطرفة في أوروبا عقب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2017.
وفي عام 2022 حصل اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسة الفرنسية على 41.45% من أصوات الناخبين مقابل 34% في انتخابات عام 2017، كما تضاعف عدد مقاعد الحزب في البرلمان الفرنسي في انتخابات جوان 2022 إلى 89 مقعدا.
ساعدت بعض العوامل في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بينها عوامل فكرية وثقافية واقتصادية وسياسية، وعلى الرغم من تعدد الأسباب يصعب تحديد أكثرها تأثيرا في هذا الصعود، وفي يما يلي أهم العوامل:
تآكل الثقة في النخب الحاكمة والتيارات الليبرالية والاجتماعية.
تنامي النزعة القومية التي ترى أن الدولة يجب أن يقطنها فقط أفراد من مجموعة عرقية واحدة.
الإسلاموفوبيا (الكراهية للإسلام والمسلمين).
العولمة وما تبعها من أزمات اقتصادية وثقافية واجتماعية.
زيادة تدفقات الهجرة واللاجئين.
زيادة البطالة.
انتشار الفكر المتطرف وتفشي الأعمال الإرهابية.
المصدر: الجزبرة مع وكالات