في حدث غير مسبوق شهد كنيس “تلمود التوراة” في العاصمة […]
في حدث غير مسبوق شهد كنيس “تلمود التوراة” في العاصمة المغربية الرباط، تنظيم صلاة يهودية بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس وجنود إسرائيليين، للدعاء من أجل الجيش الإسرائيلي
خطوة وصفتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بأنها “حدث نادر، وهو أن تسمع صلاة من أجل رفاهية جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في بلد عربي، لا سيما عندما يكون بحضور جنود إسرائيليين”، قالت إنهم من أصول مغربية
وبحسب الصحيفة تمت هذه الصلاة الأسبوع الماضي، عندما زار وزير الدفاع بيني غانتس كنيس “تلمود التوراة” في العاصمة المغربية الرباط
وقالت الصحيفة أنه وبعكس الإمارات العربية والبحرين، اللتين طبعتا علاقتهما مع إسرائيل كجزء مما يسمى بـ”اتفاقات أبراهام”، فإن العديد من الإسرائيليين هم من أصول مغربية، حيث يوجد ما بين 250000 إلى ما يقرب من مليون إسرائيلي لهم جذور في المغرب.
وكانت السلطات الأمنية المغربية، مساء الأربعاء 24 نوفمبر، بالرباط، قد فرّقت وقفة احتجاجية أمام البرلمان المغربي ضد زيارة وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس للمغرب. بالتزامن مع ذلك دشن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب وسم “لا لاستقبال الإرهاب الصهيوني”.
في حين نظمت احتجاجات شعبية سلمية في كل المدن والمناطق لمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في 29 نوفمبر الحالي، انسجاماً مع الموقف الشعبي المغربي، الرافض للتطبيع جملةً وتفصيلاً، واستئناف العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني، وما تلاه من زيارات لشخصيات صهيونية تحت غطاء السياحة.كما تصدّر هاشتاغ “التطبيع خيانة” المرتبة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، ليومين متتاليين، 23 و24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وتداول عدد كبير من المغاربة الهاشتاغ المذكور تعبيراً عن رفضهم لزيارة وزير الحرب الصهيوني للمغرب وما تبعها من اتفاقيات، في أول زيارة رسمية يقوم بها وزير الحرب الصهيوني إلى الرباط، بعد تطبيع العلاقات في نهاية عام 2020، أي بعد ما يقارب العام على توقيع الاتفاق الثلاثي الذي جمع المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والكيان المحتل، وتم بموجبه الإعلان عن استئناف العلاقات بين الكيان والرباط، واعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء.
وبذلك يكون المغرب رابع بلد عربي يُطبّع علاقاته مع “إسرائيل” برعاية أمريكية مؤخراً، بعد الإمارات والبحرين والسودان.
وينظر الكيان الصهيوني، باهتمام بالغ، إلى مذكرة التفاهم الدفاعية، التي وقعها مع المغرب، حيث يرى أنها “غير مسبوقة” بينه وبين أي دولة عربية. ووصفت وزارة الحرب الصهيونية، في بيان، مذكرة التفاهم الموقعة بأنها “تاريخية”، وأطلقت عليها مذكرة “تفاهم دفاعية”، كما وصفت “القناة 12” الإسرائيلية ما جرى بأنه “حدث مذهل من الناحية الاستراتيجية”. ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مسؤول صهيوني في وزارة الحرب إشارته إلى أن الكيان يحتفظ بعلاقات أمنية وثيقة مع مصر والأردن، لكن لم يتم إبرام أي مذكرات تفاهم دفاعية لها معهما، ما يجعل الاتفاقية المبرمة في المغرب “غير مسبوقة”، بحيث ستشكل “إطاراً للتعاون المستقبلي في المجال العسكري والأمني والاستخباراتي وتبادل التجارب والخبرات، ونقل التكنولوجيا والتكوين، وفي الصناعة الدفاعية وإبرام صفقات أسلحة متطورة تتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية عالية التكنولوجيا”.
أتت تلك الزيارة في ظل رفض جمعيات حقوقية استقبال وزير الحرب الصهيوني بأرض المغرب، حيث أعلنت “الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة” أن هذه الخطوة “غير محسوبة العواقب، واستمرار في مسلسل التطبيع المذل مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين”.
كما أدانت كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، واستنكرت بشدة زيارة وزير الحرب الإسرائيلي للمغرب. وجددت دعوتها للشعب المغربي من أجل “اليقظة والوقوف صفاً واحداً أمام المخطط الصهيوني الذي يستهدف استقرار المنطقة.. ولكل الفضلاء من أجل فضح كل المطبعين المهرولين للارتماء في أحضان الصهاينة”. كما دعت كل من “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، و”الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع”، و”الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة”، و”المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” و”المبادرة المغربية للدعم والنصرة” في بيانات منفصلة، إلى إطلاق حملة إعلامية وميدانية رافضة لزيارة المسؤول الإسرائيلي.
وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في العاصمة المغربية الرباط، خلال استقباله من الوزير عبد اللطيف لوديي، المكلف بإدارة الدفاع الوطني/ (GLZRadio)
وكان المغرب والكيان الغاصب قد أقاما علاقات دبلوماسية إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1993، قبل أن تقطعها الرباط بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت عام 2000.
لعقود عديدة اعتبرت الدول العربية “إسرائيل” دولة عدوة، والتزمت رفض كل أشكال التطبيع معها، قبل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. وفتحت مصر طريق التطبيع بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، على نحو منفرد، من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية، أساس الصراع مع الصهيونية، ووقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع “إسرائيل” عام 1993، ووقع الأردن اتفاق سلام مع “إسرائيل” عام 1994.
ومع ذلك، ظل الموقف العربي متماسكاً نوعاً ما بخصوص تطبيع العلاقات. فلم يُسهم السلام الأردني والمصري مع إسرائيل في حل القضية الفلسطينية، ولا اتفاق أوسلو، فقد ازدادت “إسرائيل” تطرفاً، وزادت في حدة ممارساتها الاحتلالية. وأصبح من الواضح أنه لا علاقة للتطبيع بحل قضية فلسطين، وأن من قام بذلك فلأسباب تخصه، لا علاقة لها بتحقيق العدالة في فلسطين، وأن “إسرائيل” فهمت التطبيع على أنه قبول لها بصهيونيتها وعنصريتها وسياستها الاستيطانية.
وفي مارس/آذار 2002، تبنت قمة “بيروت” العربية مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وطرحت سلاماً كاملاً مع الدول العربية، بشرط انسحاب “إسرائيل” الكامل من الأراضي العربية المحتلة في يونيو 1967، بما في ذلك الجولان، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
ورغم وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين دول عربية عديدة و”إسرائيل”، واستمرار الأخيرة في رفضها بنود مبادرة بيروت العربية، فإن خطوات التطبيع أخذت منحى متسارعاً وعلنياً في الآونة الأخيرة. ويجري هذا التطبيع على عدة مستويات اقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية وثقافية ورياضية. وقد تنامى نسق التطبيع التجاري والاقتصادي بين “إسرائيل” والدول العربية بوضوح خلال السنوات الأخيرة. ووفقاً لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية، قدر إجمالي الصادرات الإسرائيلية من السلع والخدمات إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنحو 7 مليارات دولار أمريكي سنوياً، من بينها أكثر من مليار دولار أمريكي لدول الخليج العربية. وتمثل أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 7% من إجمالي الصادرات، و6% من إجمالي الواردات الإسرائيلية من السلع والخدمات.
يتردد مصطلح التطبيع عادة في سياق العلاقة بين متناقضين، كالاحتلال والرافضين لوجوده، وهو يعني جعل العلاقة بينهما طبيعية، في الوقت الذي تحول فيه أسباب جوهرية دون فعل ذلك. وعليه، فإن التطبيع يعتبر عملاً خارج سياق المعقول أو العرف أو المنطق، ولو لم يكن الأمر كذلك لما سمي الفعل تطبيعاً. ويعرف الجميع أن الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني ارتكب جرائم لا تحصى بحق العرب والمسلمين، بلغت درجة الجرائم ضد الإنسانية، والمعضلة التي ينتفض الأحرار ضدها هي الجهود التي تبذلها الصهيونية وتطلب من العرب والمسلمين القبول بتلك الجرائم وأن يتم التعامل معها وكأنها لم ترتكب أي جريمة، وهو ما يسمى التطبيع. وفي اللغة تأتي لفظة التطبيع على وزن ” تفعيل”، فهي عملية وصيرورة دائمة ووصولاً لتحقيق غاية، لا خطوة واحدة عابرة سريعة أو غير سريعة. فالتطبيع نهج وأداء جوهره كسر حاجز العداء مع العدو الصهيوني بأشكال مختلفة، سواء ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية أو استراتيجية أو غيرها.
إن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحداً، وهو جعل الوجود الصهيوني في فلسطين أمراً طبيعياً، عبر بناء علاقات رسمية وغير رسمية، والتسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبناء المستوطنات، وتهجير الفلسطينيين، وتدمير القرى والمدن العربية. وتسخير التطبيع لإعادة تشكيل العقل العربي وحمله على القبول بالوجود “الإسرائيلي” على حساب الوجود والحق العربي، والتخلي عن ثوابت النضال العربي، والتشكيك بجدوى التمسك بالهوية القومية والوحدة العربية، والتخلي عن مقاومة الاحتلال والاستيطان، ووصف المقاومة المشروعة بالإرهاب. وتقوم “إسرائيل”، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، بإغراء بعض الأطراف العربية بالقبول بالتطبيع الكامل مقابل إعطائها بعض الأدوار. وأخذت بعض الدول العربية ترى في التطبيع مع العدو “الإسرائيلي” حماية لنظامها ويجلب لها رضا الولايات المتحدة الأمريكية واليهودية العالمية.
وعادة ما يروج التطبيع مع الكيان المحتل على أساس أنه سيحقق الرخاء والاستقرار والتنمية الاقتصادية لأولئك المنخرطين فيه، وسيكون له تأثير إيجابي على المنطقة. لكن هذا الازدهار المتوقع لم يتحقق في مصر والأردن بعد التطبيع، كما أنه من غير المرجح أن نرى هذا الازدهار بعد اتفاقات إبراهام إذا ما نظرنا إلى أهدافها النهائية التي تتمثل في تسهيل العلاقات الثنائية وخلق سياسة أمنية جماعية لمواجهة إيران. فالتطبيع بمعناه الممارس منذ عقود هو عملية ممنهجة وفق متطلبات كل مرحلة سياسية، تستهدف إزاحة الوطنية الفلسطينية من الوعي والوجدان العربي. فالاصطلاح يحمل في معناه الاعتراف بـ”إسرائيل” كدولة طبيعية بالمنطقة، لديها شعب ومجتمع ومؤسسات وجغرافيا وتاريخ، يمكن التعامل معها والتواصل معها، وعقد اتفاقات مختلفة مع مؤسساتها كأي دولة في العالم. وعلى هذا الأساس فإن التطبيع هو حالة انكسار سياسي ووطني ثقافي أمام العدو الصهيوني، وحالة ضعف في الانتماء، وفي الرؤية الاستراتيجية لمخاطر الكيان الصهيوني، وكيفية مواجهته. هذا الضعف يفضي إلى سلوك أسهل الطرق للتحلل من عبء استحقاق الحق الفلسطيني سياسياً واقتصادياً وكفاحياً. وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق.