اجتماع مجلس شورى النهضة منذ يومين كان منطلق شرارة قد تلهب الساحة بموجة جديدة ولدت بـ”جا يطب فيها…” نطق بها راشد الغنوشي محاولا نعت رؤية قيس سعيّد للحل الليبي من خلال ما صرّح به في باريس، وما كان فكّر فيه قبل ذلك حين استقبل ممثلين عن مجلس القبائل الليبية بقصر قرطاج. وهذا ما يؤكد أنّ قيس سعيّد يعلم ما يفعل.
ولأنّ العبارات أصبحت هي مقابس السياسة في تونس منذ “يبطى شويّة”، فإنّ راشد الغنوشي سقط في نفس الفخّ، وتبعه من سرّب التسجيل وتسبّب في إشعال النار، ثمّ جاء دور الهاروني الذي سكب زيتا عليها فزاد لهيبها، وأخيرا ما قاله السيّد الفرجاني حين طالب بفتح تحقيق لتحديد الطرف الذي سرّب التسجيل.
“منين نشدّوكم”؟
هذه الأزمة الأولى مازالت تهزّ شجرة البلاد المهترئة وتسقط ثمارا جمعتها سنوات التجربة الديمقراطية “البعلي” التي ضحّى من أجلها الملايين من التونسيين، وقد تدفعنا إلى متاهة “رمرمة” حكومة جديدة لتعويض حكومة جديدة لم تفرح بشهر العسل يوما واحدا. ثمّ إنّ التباين في الرؤى بين سعيّد والغنوشي ما كان ليتضخّم لولا تباعد المنطلقات الأصلي بين من يريد أن ينهي مسيرة سياسية دامت نصف قرن ومن ينوي استفتاح مسيرة سياسية فتيّة يريدها مؤسسة لنهج سياسيّ غير حزبيّ وغير تقليديّ، ويكاد يبدو للعديدين ناقضا لتقاليد الجمهورية في بلادنا، أو بصيغة أدقّ يهدّد ببناء الجمهورية على طريقته.
أين نحن سائرون؟
هل يحتمل المواطن المطعون من الجائحة في مقتل أن يتناوب الأطباء على جراحه وتتناقض الوصفات، ويكاد يفرّ من فراش المرض من بين أيدي من صار يخشى تطبيبهم؟ هذا هو المصير الذي لا يتمنّاه لنا إلا الحاقدون على سنوات التضحية التي صبرنا فيها على نخبتنا السياسية لعلّها تلتقي من أجلنا. والمسألة تتعمّق أكثر حين نلتفت يمينا وشمالا فلا نجد في هذه الرقعة من الأرض من يقدر على غلق المنافذ في وجه شيطان العناد السياسي، ويهتمّ لذلك المريض المسجّى كالجثمان وهو حيّ ولا يأمل في أطبائه خيرا.