وطنية: انطلقت لجنة التشريع العام منذ مدة في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، فصلا فصلا مع ممثلي وزارة المالية ، بالتوازي مع مناقشة المجلسين (البرلمان ومجلس الجهات والاقاليم ) لميزانية الدولة لسنة 2025 .
تونس الان:
انطلقت لجنة التشريع العام منذ مدة في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، فصلا فصلا مع ممثلي وزارة المالية ، بالتوازي مع مناقشة المجلسين (البرلمان ومجلس الجهات والاقاليم ) لميزانية الدولة لسنة 2025 .
وقد اختلفت القراءات لمشروع قانون المالية بين من يراه مناسبا وجاء بحلول وبين من يعتبر انه يستحق التنقيح والتعديل وبين من يرفضه تماما.
وتنشر “تونس الان” قراءة قسم الدراسات والتوثيق للاتحاد العام التونسي للشغل لمشروع قانون المالية لسنة 2025 .
“يتنزّل مشروع قانون الماليّة لسنة 2025 في ظرف متأزّم مازال فيه الاقتصاد يعاني من ظاهرة الرّكود التضخمي وتبعاته الوخيمة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة إذ لا تزال الأفاق الاقتصادية ضبابيّة وسمتها الأبرز هي ضعف نسبة النّمو التي لن تتجاوز نسبة %1,6 في موفّى هذه السنة مقابل مستوى مرتفع للتضخم يقارب 7% وهو ما كان له الوقع السّلبي على المقدرة الشرائية وعلى مستوى العيش لغالب المواطنين وخاصة منهم العمّال مع تدهور واضح لجودة الخدمات العموميّة.
ولم يستثني هذا السّياق المتأزّم الوضعيّة الماليّة للميزانيّة إذ تواصل المنحى التصاعدي لخدمة الدين الذي تجاوز 25000 مليون دينار في 2024 باعتبار نفقات التمويل (الفوائد)، أي ما يعادل تقريبا ثلث الميزانية وأكثر من 15% من النّاتج المحلي الخام وهو ما سبّب ضغوطات حادة على احتياطي البنك المركزي من العملة الصّعبة وعدم قدرة الدولة على توفير المواد الموردة بالكميات المطلوبة، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية فضلا على مستلزمات الاقتصاد الوطني من تجهيزات ومواد صناعية ضرورية لدفع الإنتاج. وفي وقت يفترض فيه أن تتقدّم الحكومة بحلول وإجابات للأزمة، أتى مشروع الميزانية محكوما بالمنطق المحاسباتي الصرف ومجردا من أية رؤية استراتيجية موجّهة نحو الإصلاحات والأهداف التنموية ومستنسخا للميزانيات السابقة من حيث غياب الشفافية والتشاركية وعدم واقعية فرضيات الاقتصاد الكلي ومواصلة سياسة التّقشف وعدم الوضوح بخصوص تعبئة الموارد الخارجية وذلك دون أي تقييم لأثر الأهداف المعلنة في قانون المالية لسنة 2024.
في هذا الإطار، تستعرض المذكرة قراءة تقييمية ونقدية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 من ناحية الشّكل والمضمون بتسليط الضوء على الملامح الكبرى للميزانية وعلى التوزيع العام للنفقات والموارد فضلا على بعض الإجراءات والقرارات ذات الطابع الاجتماعي والجبائي التي تضمّنها المشروع والتي تستهدف الطّبقات المتوسّطة والفقيرة على وجه الخصوص.
2- ميزانية يسودها التّعتيم وغياب التّشاركية
لأول مرة منذ اندلاع الثورة، لم يقع نشر مشروع قانون المالية والتقرير المصاحب له بصفة رسمية على الموقع الرسمي لوزارة المالية وهذا يمثل سابقة إذا ما استثنينا سنتي 2021 و2022 اللتان عاشت فيهما البلاد ظروفا استثنائيا بفعل حلّ البرلمان وإقرار الحكم بالمراسيم الرئاسية في مسار الميزانية. وبالتّوازي مع هذا التّعتيم غير المبرّر، يتواصل التمشّي أحادي الجانب من قبل الحكومة في إعداد مشروع القانون حيث لم يقع استشارة الأطراف الاجتماعية ولا المنظّمات المهنية الأخرى في تجاهل تامّ لأسس الحوار الاجتماعي ومقوّماته وذلك بالرّغم من تضمّن مشروع القانون للعديد من الإجراءات والفصول التي تمسّ مباشرة بوضع العمال وبظروفهم المادية ومكاسبهم الاجتماعية. كما غابت العديد من المعلومات المهمة في مشروع القانون على غرار الآثار المالية المترتبة على الإجراءات الجبائية الجديدة وكذلك مشروع الميزانيات المفصّلة للوزارات التي تكتسي أهمية بالغة في التعرف على السّياسات القطاعية للحكومة وبرامجها وأهدافها.
ودائما في الجانب الشكلي، يسجّل قسم الدّراسات والتّوثيق غياب الواقعية في تحديد الفرضيات التي قام عليها المشروع خاصة في ما يتعلّق بنسبة النّمو المقدرة بـــــــ 3,2% وهي نسبة صعبة المنال في ظلّ الوضع الاقتصادي الراهن، وهو من شأنه أن يؤدّي إلى تضخيم في تقدير الموارد الجبائي وإلى اختلال التّوازنات العامة التي تقوم عليها الميزانية.
3- التّمادي في سياسة التقشّف تحت مسميّات عديدة
لم تقطع ميزانية 2025 مع النّهج التّقشفي الذي سارت عليه ميزانية 2024 من خلال استنساخها لأهمّ التّوجهات والمقاربات المكرّسة لتراجع الدّور الاقتصادي والاجتماعي للدولة والحدّ من مستوى النّفقات العمومية في مجالات حيوية.
وتبرز السّياسات التّقشفية لمشروع ميزانية 2025 خاصّة من خلال:
- مواصلة سياسة تجميد الانتدابات وعدم سدّ الشّغورات تحت عنوان التّحكم في كتلة الأجور. ولئن شمل المشروع التزاما بتسوية وضعية 7592 من المعلّمين والأساتذة النّواب وحوالي 12000 من عمال الحضائر، فإنّ الانتدابات الجديدة غابت تماما وانحصرت تقريبا على مستوى خريجي المدارس المختصّة. ويتنزّل هذا التّمشي التّقشفي في ظلّ عدم تقديم ووضع استراتيجية حكومية كفيلة بتقييم حاجيات الوظيفة العمومية من الموارد البشرية وبالحدّ من نزيف هجرة الكفاءات من الإدارات العمومية.
- انخفاض مستوى الاستثمار العمومي إلى نسبة لا تتجاوز 6,7% من النّفقات العمومية (5,4 مليار دينار) وهي نسبة تعتبر من أدنى النّسب عبر تاريخ الميزانية في بلادنا، حيث عادة ما يتراوح نصيب الاستثمار العمومي بين 10 و20% من إجمالي الميزانية. وحيث يفترض المنطق الاقتصادي الموضوعي أن ترفع الدولة من استثماراتها في فترات الأزمات التي يشهد فيها الاستثمار الخاصّ تراجعا، إلّا أنّ الواقع يثبت عكس هذا التوجّه، كما يتبيّن من خلال الاطّلاع على الجزء المتعلّق بتقديم البرامج الاستثمارية في التّقرير المصاحب لمشروع القانون غياب المشاريع التّنموية المهيكلة والمهمّة بما جعل ميزانية الاستثمار مشتّتة بين عدد كبير جدّا من المشاريع الصّغيرة والمتوسّطة التي تفتقد إلى الأثر التنموي والقيمة المضافة العالية.
- انخفاض في القيمة الحقيقية للدّعم الذي لم يرتفع سوى بنسبة 2,3% مقارنة بسنة 2024 (من 11337 إلى 11592 مليار دينار) وهي نسبة دون التّطوّر السّنوي للاستهلاك الأسري للمواد المدعّمة المقدّر بـــــــــ5%، كما أنّ ميزانية دعم المواد الأساسية لسنة 2025 افترضت سعرا مرجعيا لطنّ القمح مقدّر بــــــ281 دولار مقابل 265 دولار في سنة 2024 بما يعني آليّا انخفاضا في الكميات المورّدة على اعتبار الارتفاع المتوقّع للأسعار، وهذا ما يرجّح بشكل كبير تواصل النّقص في تزويد السّوق من المواد المدعمة المشتقّة من الحبوب خلال السّنة المقبلة.
4- من هيمنة الاقتراض الخارجي إلى اللّجوء المشط إلى الاقتراض الداخلي
يعتبر الاعتماد الكبير على موارد الاقتراض الداخلي من السّمات الأساسية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 وهو ما يمثّل نقطة تحوّل بارزة في سياسة التّداين والاقتراض المعتمدة. ويبيّن الجدول أسفله تغيرا مفصليا في هيكلة التّداين العمومي مقارنة بالسّنوات الفارطة حيث أصبح التّداين الداخلي يستحوذ على النّصيب الأكبر في تمويل عجز الميزانية مقارنة بقانون المالية لسنة 2024.
إنّ هذا التغيير الجذري في هيكلة التّداين من شأنه أن يولّد ضغوطا حادّة على البنك المركزي في اتّجاه استعمال مخزونه من العملة الصعبة لخدمة الدّين الخارجي المقدّر بـــــــ10 مليار دينار في سنة 2025، كما أنّ المساعي الحالية لتنقيح القانون الأساس لسنة 2016 المتعلّق بالبنك المركزي من شأنها أن تزيد في تبعية البنك إلى السّلطة التنفيذية عبر منحه إمكانية التّمويل المباشر لميزانية الدولة من مداخيل التّصدير والتّحويلات من الخارج من العملة الصعبة دون مقابل بالدينار التونسي، ومن المنتظر أن تبلغ هذه التّسهيلات في 2025 مستوى مشطّا يقدربــــــ 7840 مليون دينار من السيولة المحدثة التي لا يقابلها خلق فعلي للثّروة وهو ما سينعكس حتما على مستويات التّضخم ومزيد تدهور قيمة الدينار.
ولئن يعكس هذا التغيير الهيكلي إرادة سياسية في الحدّ من التّعويل على التّداين الخارجي، إلّا أنّه يعطي الدّليل أيضا على الصّعوبات الكبيرة التي تعترض الحكومة منذ 3 سنوات تقريبا في تعبئة التمويل الخارجي بعد فشل المفاوضات مع صندوق النّقد الدولي، وهو ما يتبين من خلال الجدول التّالي.
بالرّغم من انخفاض موارد الاقتراض الخارجي لدعم الميزانية إلى أقلّ من 4000 مليون دينار، فإنّ الحكومة تفتقد إلى خطّة تمويل واضحة حيث تظلّ حوالي 40% من التّمويلات الخارجية المحتملة مجهولة المصدر ومبوّبة تحت العنوان العام«rubrique générique» للقروض الأخرى، وذلك في ظلّ القصور الكبير لبرامج التّعاون الثّنائي مع الشّركاء الأساسيين والصّعوبات التي انجرّت عن ذلك على مستوى تعبئة الموارد. هذا ويتواصل في هذا الصّدد التّعامل المكثّف مع البنك الإفريقي للتّصدير والاستيراد كخيار استراتيجي بالرّغم من نسب الفائدة العالية التّي يوظّفها مقارنة بالمؤسّسات المالية الدولية التّقليدية فضلا عن افتقادها الى تطبيق المعايير الدولية في مجالات الشّفافية والسّياسات الحمائية ذات الطّابع الاجتماعي والبيئي.
5- كلفة “عدم الإصلاح” تستنزف الميزانيّة
لقد تسبّب التّأخير المسجّل في إصلاح منظومة الدّعم والمؤسّسات العمومية في استنزاف متزايد لموارد الميزانية. وفي وقت تتجاوز فيه النّفقات الجملية للدّعم 11590 مليون دينار، أي حوالي 7% من النّاتج الداخلي الخام، يتواصل فقدان العديد من المواد المدعّمة في الأسواق وتردّي خدمات النّقل العمومي المدعّم وارتفاع كلفة الطّاقة وفواتير الكهرباء على الأسر، بحيث لا يرتقي مستوى الدّعم إلى الحجم الكبير للتّضحيات التي تقدّمها المجموعة الوطنية وهو ما يعتبر استنزافا لموارد الميزانية.
إنّ الكلفة الكبيرة لمنظومة الدّعم بأنواعه الثّلاثة يقابلها غياب للإرادة السياسية في إصلاحها وتوجيهها وتصويبها نحو مستحقّيها، إذ تواصل العديد من الفئات الاجتماعية والمهنية التّمتع بالدّعم دون وجه حقّ. وفي هذا الصّدد، يجدّد قسم الدّراسات والتّوثيق دعوته الملحّة للإصلاح منبّها إلى أنّ كلّ تأخير ينجرّ عنه خسائر مالية ضخمة يمكن تفاديها سريعا عبر فتح حوار جدّي تناقش فيه البدائل والتّصورات من أجل الانتقال من منظومة تدعم الأسعار إلى منظومة تدعم مباشرة دخل العائلات التونسيّة.
كما أنّ الوضعية الصّعبة للمؤسّسات العمومية والمشاكل الهيكلية التي تعاني منها كانت كلفتها باهظة بفعل حجم التّحويلات المرصودة على ميزانية الدولة دون أن يكون هناك تصوّر إصلاحي لإنقاذ هذه المؤسّسات ولوقف النّزيف المالي الذي تشكو منه. إنّ السّكوت على وضعية المؤسّسات العمومية يعتبر إنكارا ضمنيا لضرورة الإصلاح ومواصلة في نهج الإجراءات التّرقيعية والارتجال وسياسة إطفاء الحرائق التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ الثّورة دون تبنّي حلول جذرية من أجل الإنقاذ.
وتشير أرقام مشروع الميزانية إلى رصد مبلغ مهمّ يقدّر بــــــــــ 5126ـ مليون دينار بعنوان “نفقات التّدخل ذات صبغة تنموية” وقع تخصيص الجزء الأكبر منها للتّحويلات لفائدة المؤسّسات العمومي وحيث لاتوفّر المعطيات المتاحة في مشروع الميزانية توزيع هذا المبلغ حسب المؤسّسات بما يجعله بمثابة “الصندوق المغلق” في ظل غياب استراتيجية واضحة في التّعاطي مع ملفّ المؤسّسات العمومية وفي تحديد حاجياتها المالية بالدّقة الكافية.
6- بعض الإجراءات الاجتماعية دون استشارة الأطراف الاجتماعية
لا يتّسع المجال من خلال هذه المذكّرة إلى تقديم قراءة شاملة في كافّة الإجراءات والفصول التي أتى بها مشروع قانون المالية. لذا سنخصّ بالذّكر بعض الفصول التي تؤثّر مباشرة على العمّال سواء في الجانب الاجتماعي أو الجبائي. ففي المجال الاجتماعي تضمّن المشروع فصلين مهمّين وهما:
- الفصل 13 المتعلّق بإحداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات المزمع تمويله جزئيا من الدّولة ومن اشتراكات التّأمين والخطايا المرورية.
- الفصل 15 المتعلق بإحداث صندوق التّأمين على فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية المموّل جزئيا من الدولة وأيضا بتوظيف اقتطاع بــــــ1% على الأجور (0,5% على كلّ من الأجير والمؤجّر) من ضمن معاليم أخرى موظّفة على التّبغ والوقيد وعلى الإرساليات القصيرة والألعاب.
وبخصوص صندوق التّأمين على فقدان مواطن الشّغل، دأب الاتّحاد العام التّونسي للشّغل منذ التّوقيع على العقد الاجتماعي في 2013 (والذي ينصّ على إحداث هذا الصّندوق ضمن محاوره الرّئيسية) على المطالبة بتفعيل هذا الصّندوق من خلال الاجتماعات الدورية للجنة الثّلاثية التي تكوّنت للغرض حيث قطعت أعمالها أشواطا مهمّة في الاتّفاق على مجالات تدخّل الصندوق وطريقة تمويله. وفي قطع فجئي مع هذا النّهج التّشاركي، سارعت الحكومة بطريقة أحادية الجانب في إحداث الصّندوق دون التّشاور مع الأطراف الاجتماعية الموقّعة على العقد الاجتماعي ودون مجرّد الإشارة إلى العقد في شرح الأسباب المتعلّق بالفصل. كما اكتفى هذا الفصل بتحديد آليات التمويل دون التّطرّق إلى نوعيّة الخدمات التّي سيسديها الصندوق وشروط الانتفاع بها والفئات المستهدفة من تدخّله، في حين يفترض المنطق السليم للأشياء أن تناقش هذه المسائل أوّلا ثم تأتي آليات التّمويل لاحقا كأداة لتحقيق الأهداف وليس العكس، وعليه فإنّنا نطالب بعدم اقتطاع مساهمة الأجراء في تمويل الصّندوق تفاديا لمزيد إثقال كاهل الأجراء وتدهور مقدرتهم الشّرائية والاقتصار في البداية على تمويله فقط من طرف الدولة والمؤجّرين في القطاع الخاصّ في انتظار توضيح مآلاته وكيفيّة إدارته.
وتنطبق نفس هذه الملاحظات تقريبا على الفصل 13 المتعلّق بإحداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات. وحيث لاشكّ في أنّ النّساء العاملات في قطاع الفلاحة يتعرّضن إلى شتّى المخاطر ومظاهر التّمييز في عملهن، ولكن وجب التّأكيد على أنّ الحماية الاجتماعية هي حقّ لكل التّونسيين نساء ورجالا دون استثناء،وبما لا ينفي بتاتا أهميّة التّفكير مستقبلا في منظومة حماية اجتماعية جامعة لكافّة العاملين والعاملات في القطاع الفلاحي.
كما نلاحظ كذلك أنّ الخطابات الرسمية المتعلّقة بالمؤسّسات التّعليمية والصّحية والنّقل لم يقع ترجمتها إلى إجراءات ملموسة في قانون المالية لسنة 2025 من شأنها أن تساعد هذه المؤسّسات على الخروج من الصّعوبات التي تعيشها وتحسّن من مردوديتها.
7- إجراءات جبائية منقوصة تثير اللّبس
في المجال الجبائي، تضمّن مشروع قانون المالية فصلين جديدين يتعلّقان بمراجعة نسب الضّرائب المباشرة الموظّفة على دخل الأشخاص الطّبيعيين، بما فيهم الأجراء (الفصل 31) وعلى أرباح الشّركات (الفصل 32). وقدأقرّ الفصل 31 نظاما جديدا لاحتساب الضّريبة على الدّخل كما هو مبيّن بالجدولين التّاليين:
شرائح الدخل السنوي النسب
0 إلى 5.000 دينار
%0
5.000.001 إلى 10.000 دينار %15
10.000.001 إلى 20.000 دينار %25
20.000.001 إلى 30.000 دينار %30
30.000.001 إلى 40.000 دينار %33
40.000.001 إلى 50.000 دينار %36
ما فوق 50.000 دينار %40
شرائح الدخل السنوي النسب
0 إلى 5.000 دينار %0
5.000.001 إلى 20.000دينار %26
20.000.001 إلى 30.000 دينار %28
30.000.001 إلى 50.000 دينار %32
ما فوق 50.000 دينار %35
وفي ذات الإطار،وحيث من المهمّ الإقرار ببعض الجوانب الايجابية التّي أتى بها الجدول الجديد من ناحية تعزيز مبدأ التّصاعدية الجبائية بالتّرفيع في عدد الشّرائح وكذلك من حيث العدد الكبير من الموظّفين ومن الأجراء الذّين سينتفعون به من خلال تخفيف الضّغط الجبائي. في نفس الوقت، وجبت الإشارة إلى جملة النّقائص التّالية:
- يستهدف هذا الإجراء شريحة كبرى من الطّبقة الوسطى العليا الذين تتراوح مداخيلهم السّنوية بين 30 ألف دينار و50 ألف دينار حيث سيتحمّلون أعباء جبائيه إضافية قد تتجاوز 100 دينار شهريا بالنّسبة لبعض أسلاك الجامعيين والأطباء الاستشفائيين والإطارات العليا، وذلك في ظلّ التّدهور الحاصل في المقدرة الشّرائية وتفاقم هجرة الكفاءات الوطنية من الإدارة وقطاعي الصّحة والتّعليم إلى الخارج.
- حسب الجدول الجديد، يتوقّف العمل بمبدأ التّصاعدية على مستوى دخل أقصى بـ ــــــــــ50000 دينار سنويا وهو ما يتنافى مع مقوّمات العدالة الجبائية على اعتبار وجود مستويات أرفع للدّخل بما يتيح الإمكانية لإضافة شرائح أخرى والتّرفيع في النّسبة القصوى.
- يطبّق هذا الجدول على كل الأشخاص الطّبيعيين بما فيهم الأجراء وكذلك أصحاب المهن الحرّة وبعض المؤسّسات الفردية، وهو تمشّي غير منصف بالنّظر إلى الإمكانية المتاحة للمؤسّسات والمهن الحرّة لطرح الأعباء من قاعدة احتساب الضّريبة على الدّخل خلافا للأجراء الذين يخضعون للاقتطاع المباشر من المورد على قاعدة الأجر الخام.
وبناء على الملاحظات السّابقة، يقترح قسم الدّراسات والتوّثيق تعديل الجدول الضّريبي كالآتي:
الشرائح النسب
0 إلى 7.000 دينار %0
7.000.001 إلى 10.000 دينار %15
10.000.001 إلى 20.000 دينار %25
20.000.001 إلى 30.000 دينار %28
30.000.001 إلى 40.000 دينار %30
40.000.001 إلى 50.000 دينار %32
50.000.001 إلى 80.000 دينار %34
80.000.001 إلى 100.000 دينار %38
ما فوق 100.000 دينار %42
ويضمن الجدول المقترح عدم المسّ بمستوى الأجور الصّافية لكافّة الأجراء مقابل إضافة 3 شرائح عُليا فوق 50000 دينار تكريسا لمبدأ التّصاعدية الجبائية على المستويات العليا للدّخل وهو ما سيمكّن من التّخفيف من الكلفة المالية لهذا الإصلاح وتفادي النّقص المحتمل في موارد الميزانية. كما يقترح الجدول البديل التّرفيع في الشّريحة الأولى المعفاة كليّا من الضّرائب إلى مستوى الحدّ الأدنى للأجور المقدّر بــــــ7000 دينار وذلك على اعتبار الفلسفة الأصلية التّي انبنت عليها منظومة الجباية على دخل الأشخاص الطّبيعيين منذ ثمانينات القرن الماضي والقاضية بمبدأ الإعفاء الجبائي الكلّي لأصحاب الأجور الدّنيا ضمن مبادئها الأساسية.
من جهة أخرى، أقرّ الفصل 32 من المشروع مراجعة لنسب الضّريبة على الشّركات بتوظيف النّسب التّالية:
- 15% بالنّسبة إلى المؤسّسات التّي تحقّق رقم معاملات سنوي يقلّ عن 5 مليون دينار،
- %20 بالنّسبة إلى المؤسّسات التّي تحقّق رقم معاملات سنوي يساوي أو يفوق 5 مليون دينار ويقلّ عن 20 مليون دينار،
- %25 بالنّسبة إلى المؤسّسات التّي تحقّق رقم معاملات سنوي يساوي أو يفوق 20 مليون دينار.
ويعتبر قسم الدّراسات والتوثيق أنّ هذا الإجراء سيأتي بنتائج عكسية (mesure contre productive) حيث من شأنه أن يشجّع بعض المؤسّسات على الحدّ من نشاطها أو تعليقه عند تحقيق رقم معاملات يفوق الـ 20 مليون دينار حتّى لا تتحمّل أعباء جبائية إضافية كما أنّ الاعتماد على رقم المعاملات كمقياس مرجعي لأداء الضّريبة هو تمشّي خاطئ على اعتبار وجود العديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية التّي تحقق رقم معاملات مرتفع إلّا أنّ هامش الرّبح لديها ضئيل والعكس بالعكس، علاوة على إمكانية تفاقم مخاطر الغشّ الجبائي والالتجاء الجزئي أو الكلّي إلى المجال الغير المنظّم. وعليه، يطالب القسم بتنقيح هذا الفصل بالاعتماد على شرائح الأرباح كقاعدة لاحتساب الضّريبة وليس على رقم المعاملات، كما يقترح إقرار جدول ضريبي تصاعدي في هذا الصّدد يكون شبيها لنظيره المتعلّق بالضريبة على الدّخل.
8- الخلاصة والتّوصيات
يتبيّن بوضوح أن ّالملامح العامّة لمشروع قانون المالية لسنة 2025 في جانبيه المالي والتّشريعي لا تستجيب إلى متطلّبات المرحلة ولا تتضمّن رؤية إصلاحية للاقتصاد وللمالية العمومية وبدت مرتجلة و “مستنسخة” من سابقاتها من حيث تغليب المنطق المحاسباتي الصّرف وغياب الشّفافية والتّشاركية وعدم واقعية فرضيات الاقتصاد الكلّي ومواصلة سياسة التّقشّف والضّغط الجبائي وعدم الوضوح بخصوص تعبئة الموارد الخارجية.
وبناء على قراءته النّقدية لمشروع هذا القانون، يطالب قسم الدّراسات والتوثيق بــــــــــــــــــــــــ:
- تعديل الفصل 31 المتعلّق بمراجعة السّلم الضريبي على الأجراء بالاعتماد على المقترح المقدّم أعلاه وبداية التّفكير في استبدال الأجر الأدنى المضمون بالأجر المعيشي لضمان الحدّ الأدنى من كرامة العمّال وعائلاتهم.
- تنقيح الفصل 32 المتعلّق بالضّريبة على الشّركات وذلك بالاعتماد على شرائح الأرباح كقاعدة لاحتساب الضّريبة ولا على رقم المعاملات.
- التّحكّم في مستويات الاقتراض الداخلي التّي شهدت ارتفاعا غير مسبوق خلال السّنتين الماضيتين بما يستنزف السّيولة من القطاع المالي ويساهم في تزايد الضّغوطات التّضخمية. ويطالب في هذا الصّدد بإقرار إستراتيجية أكثر عقلانية للتّداين العمومي بما يضمن أكثر توازنا بين موارد الاقتراض الدّاخلي والخارجي وبما يحفظ مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي.
- الإسراع بإعادة الاعتبار للجان القطاعية الثّلاثية صلب العقد الاجتماعي من أجل مناقشة الأوامر التّطبيقية الخاصّة بصندوق التّأمين على فقدان مواطن الشغل وصندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات.
- وجوب تخصيص قطاعات النّقل والتّعليم والصّحة من التّرفيع بالشّكل الكافي لميزانيتها بما يمكّنها من إحداث نقلة نوعية والبدء في الإصلاحات المستوجبة قبل فوات الأوان.
- إعادة تفعيل أعمال اللجنة الثّلاثية المشتركة لتدارس سُبل إصلاح منظومة الدّعم وتوجيهه نحو مستحقّيه تفاديا لمزيد من الاستنزاف لموارد الدولة في منظومة غير ناجعة.
- إعادة النّظر في طريقة تمويل الصّناديق الاجتماعية والبحث عن موارد أخرى لرفع العجز وقد تقدّم الاتّحاد العام التّونسي للشّغل بعديد المقترحات في هذا المجال بغاية التّوصّل لحلول تساعد على التّعجيل في الخروج من هذه الوضعية وعلى اعتبار أنّ شريحة كبيرة من المتقاعدين يتقاضون جراية دون الأجر الأدنى المضمون والذّين يصنّفون في خانة الفقر المدقع، حيث نقترح التّرفيع في جرايات المتقاعدين إلى حدود الأجر الأدنى المضمون تفاديا للحيف الاجتماعي ومزيد تكريس مبدأ التّماسك والتّضامن الاجتماعيين.
- تطبيق بنود الاتّفاق الممضى بين الحكومة والاتّحاد العام التّونسي للشّغل في مارس 2021 حول إنقاذ المؤسسات العمومية ودراسة وضعياتها حالة بحالة وتقديم الحلول النّاجعة بعيدا عن الإجراءات الترقيعية التّي تثقل كاهل الميزانية كل سنة بآلاف الملايين من الدنانير لتسديد عجز المؤسّسات.
- الإسراع بكلّ جدية في تسوية وضعيات النّواب في قطاع التّعليم والمتعاقدين وعمّال الحضائر بتوفير التّمويلات اللازمة والقضاء على كل أشكال العمل الهشّ نهائيا.
- إرساء مقاييس شفّافة وموضوعية لخدمات الإسناد والمساعدات الاجتماعية التي تقدّمها الدولة للفئات الفقيرة وإلى ذوي الاحتياجات الخصوصية وذلك باعتماد سجلّ وطني للفقر والنّأي بهذه التّحويلات الاجتماعية عن صبغتها الموسمية وتوظيفها في غير مسارها.
- مراجعة التّرسانة التّشريعية التي أصبحت مثقلة ومكبّلة للاستثمار يما يحدّ من مساهمة القطاع الخاصّفي التّشغيل وبعث مواطن الشّغل في ظلّ انحسار دور القطاع العام وعدم اعتماد إستراتيجية وطنية للتّشغيل شاملة تبني لسياسة تشغيل واضحة وتقطع مع آليات السّياسة النّشيطة للتّشغيل المعتمدة منذ سنوات.
- مراجعة منظومة الدّعم التي أصبحت تثقل كاهل الميزانية والمجموعة الوطنية دون أن توفّر شروط الحدّ من تداعيات الأزمات المالية والحفاظ على نسيج مجتمعي متوازن ومتماسك يتماشى مع خصوصية المجتمع التونسي وتركيبة شرائحه المعتمدة أساسا على الطّبقة الوسطى التي بدأت بالتّلاشي وتدحرجت إلى مستوى معيشي لا يضمن الكرامة والعدالة في الدّخل، وذلك في إطار سياسية اجتماعية عادلة وقائمة على السّلم الاجتماعية والاستقرار الداخلي في علاقة بالمحيط الدولي.
- على ضوء عمل تونس بموجب المساهمة المحدّدة وطنيا (CDN) في 2021 والإستراتيجية الوطنية لاقتصاد منخفض الكربون (SNBC) في2022 على التّخفيض الهامّ في الكثافة الكربونية، وتبعا لدخول آلية الاتّحاد الأوروبي لتعديل الكربون حيّز النّفاذ انطلاقا من 1جانفي 2026، يتّجه الإسراع في إدماج الانعكاسات المترتّبة عن الالتزامين المذكورين والمخاطر المناخية ضمن ميزانية الدّولة بالتّوازي مع وضع إستراتيجية للتّمويل المناخي وتصنيف التّمويل المستدام بما يكرّس فعليا الميزانية المراعية للتّغيير المناخي (budget sensible au changement climatique BSCC)، مع ضرورة الإقرار العاجل على الأقلّ لاعتمادات مالية لمرافقة المؤسّسات التّونسية واستعدادها للتّعاطي مع الأداء المعتزم توظيفه بعنوان البصمة الكربونية تفاديا للمسّ بتنافسية الصّادرات الوطنية وحصّتها من سوق الاتّحاد الأوروبي الشّريك الاقتصادي والتّجاري الأساسي لتونس، إضافة إلى الاستجابة النّاجعة لتفاقم تهديدات التّغيير المناخي واحتداد أزمة المياه في تونس وبغاية حماية القطاعات الاقتصادية كالفلاحة والسّياحة وتعزيز مناعة واستقرار القطاع المالي من أيّة هزّات، وبما يكفل عدم تقويض الأمن الغذائي والطّاقي، وجذب استثمارات مناخية هامّة.
وفي هذا الصّدد، يدعو قسم الدّراسات والتّوثيق إلى الإسراع في وضع تصوّر عملي للأداء على الكربون (Taxe carbone)، ويشدد على الأهميّة البالغة للتمويل المناخي والكلفة الاجتماعية للكربون في سياق التحول الهيكلي المعتزم للاقتصاد الوطني، بما يؤسّس لانتقال عادل ومندمج ضمن مسار التّحوّل نحو منوال تنموي منخفض الانبعاثات.
كما تنضاف هذه المقترحات الخاصّة بمشروع قانون المالية لسنة 2025 إلى جملة المطالب التّي سبق لقسم الدّراسات والتوثيق تقديمها في علاقة بالقطع النهائي مع النّظام الجبائي الجزافي/التّقديري والتّسريع برقمنة الإدارة الجبائية ومحاربة الغشّ والتّهرب الجبائيين والفساد بكل أشكاله واعتماد الإجراءات اللازمة لضمان الانتقال من الاقتصاد الغير منظّم إلى الاقتصاد المنظّم ودعم التّشغيل ومساندة الشّركات الصّغرى والمتوسّطة والنّاشئة علاوة على الحفاظ على المقدرة الشرائية للعمّال وإصلاح منظومتي مسالك التّوزيع والإنتاج الفلاحي وحماية البيئة وتحسين جودة الحياة….”.
هذه القراءة للاتحاد فقط