كان التوسع الكبير في التجارة الدولية للسلع أحد دعائم الاقتصاد […]
كان التوسع الكبير في التجارة الدولية للسلع أحد دعائم الاقتصاد العالمي خلال الخمسين عاماً الماضية،وكان محركاً أساسياً للنمو وأدى إلى فوائد اقتصادية كبيرة تمثلت في انخفاض الأسعار للمستهلكين وزيادة الإنتاجية في جميع أنحاء العالم.
ولكن عند النظر إليهكنسبة من الناتج الإجمالي العالمي، يبدو أن تقدم التجارة قد توقف منذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. وهذا يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت تجارة السلع العالمية قد بلغت ذروتها.
ولكن بات جليا أن فترة العوامل الهيكلية الداعمة لنمو التجارة العالمية قد انتهت منذ أمد طويل، وأن العوامل الجديدة تشير إلى مزيد من الرياح المعاكسة في المستقبل القريب.
تعزز النمو القوي في التجارة الدولية للسلع قبل الأزمة المالية العالمية بفعل عوامل مختلفة من بينها التقدم الكبير في مجال تحرير التجارة، إضافة إلى أن عملية التنمية الاقتصادية في مختلف الدول كانت من العناصر الأخرى التي ساهمت في نمو التجارة.
كما كان للتقدم التكنولوجي تأثير إيجابي على التجارة الدولية عبر قنوات مختلفة، فقد حسن الاتصالات وخفض تكاليفها، مما أتاح للشركات والموردين زيادة التنسيق، بما في ذلك تنفيذ عمليات التصنيع في الوقت المناسب بأحجام كبيرة، مع تقليل أوقات دورات التجارة.
وفيما يتعلق بتحرير التجارة، هناك الآن مجال محدود لإجراء تخفيضات إضافية في التعريفات الجمركية. في حين كان تخفيض التعريفات محركاً مهماً لنمو التجارة في الماضي، لا سيما من خلال دمج الدول متوسطة ومنخفضة الدخل في الاقتصاد العالمي، فإن متوسط معدل التعريفات المطبقة حالياً منخفض في كل من الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد رغبة سياسيةكبيرة في إجراء مزيد من التخفيض للتعريفات التي تعتبر منخفضة حالياً، فذلك سيؤثر في الغالب على القطاعات الحساسة، مثل القطاعات المتعلقة بالزراعة والأمن القومي.
علاوة على ذلك، أصبحت عملية التكامل الاقتصادي التي حدثت في العقود السابقة مهددة الآن بالتوترات الجيوسياسية وبتزايد الحمائية التجارية، فقد أدت النزاعات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين التي بدأت في عام 2018، يليها الصراع الروسي الأوكراني، إلى زيادة الحواجز التجارية والعقوبات وحظر التكنولوجيا. كمثال على ذلك، أصدرت وزارة التجارة الأمريكية في أواخر عام 2022مجموعة استثنائية واسعة من تدابير الحظر على صادرات رقائق أشباه الموصلات وغيرها من المعدات ذاتالتكنولوجياالمتقدمة إلى الصين. علاوة على ذلك، ظهرت الحمائية حتى في العلاقات التجارية بين الحلفاء. على سبيل المثال، ينص قانون خفض التضخم الأمريكي (IRA) الذي تمت الموافقة عليه في منتصف العام الماضي على تقديم الدعم المباشر للصناعات التي تحتدم فيها المنافسة مع الشركات الأوروبية، مما يضع حواجز فعلية أمام الشركات الأجنبية العاملة في السوق الأمريكية.
فيما يخص العوامل المرتبطة بالتنمية الاقتصادية، فإن التغييرات ترجح أيضاً تباطؤ الأهمية النسبية للتجارة. يعتبر التحول الهيكلي من السمات المميزة للنمو وتزيد بموجبه حصة الخدمات في الاقتصاد مقارنة بالتصنيع والزراعة. وتقلل هذه العملية بشكل طبيعي من وزن التجارة في الاقتصاد. تراجعت مستويات التجارة في الصين، التي شكلت 64% من ناتجها المحلي الإجمالي في ذروة عام 2006، إلى أقل من 40% في الوقت الحالي، وهي تقترب من المستويات السائدة في “الاقتصادات الضخمة” مثل الولايات المتحدة، والتي تبلغ حوالي 25%. ونظراً لأن الصين تعمل على إعادة التوازن لنموذج النمو الخاص بها من خلال زيادة الاستهلاك المحلي، بدلاً من الصادرات، فإن هذه العملية ستتسارع لا محالة.
بشكل عام، ستظل التجارة سمة رئيسية للمشهد الاقتصادي العالمي، إلا أن فترة التوسع التجاري القوي أصبحت من الماضي. ومن المتوقع أن تؤدي الرياح المعاكسة الجديدة الناتجة عن استنفاد التحرير القائم على التعريفات، وتزايد التوترات الجيوسياسية، وظهور ديناميكيات جديدة للتنمية في الصين، إلى تباطؤ ملحوظ في نمو التجارة.