تونس الآن يثير خبر طلب رئيس الجمهورية قيس سعيد من […]
تونس الآن
يثير خبر طلب رئيس الجمهورية قيس سعيد من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ تقديم استقالته جملة من التساؤلات الدستورية والسياسية.
ويبدو أن رئيس الجمهورية فضل أن يكون “قراره” أو “اقتراحه” أو حتى “دعوته” للفخفاخ بحضور المعني بالأمر وكذلك راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب ونورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حتى يبدو الأمر أكثر شفافية وموضوعية حيث ليس هناك أفضل من “غطاء” تشكله الرئاسات الثلاث لتمرير “الحربوشة” المرة.
لكن لا يقف الأمر عند الجانب الشكلي بل الأهم هو الإجابة عن التساؤلات حول مدى “مطابقة” دعوة رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة، لكي يقدم استقالته، مع مقتضيات الدستور وتحديدا صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه.
فبينما كان نواب عن كتل حركة “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” وعدد من المستقلين بصدد تقديم لائحة مستوفاة الشروط إلى مكتب الضبط بمجلس النواب قصد دعوة المجلس إلى تحديد موعد لسحب الثقة من رئيس الحكومة، كان قيس سعيد يخطو خطوة مفاجئة لحسم الوقف لكن دون أن يعني ذلك نزع فتيل الأزمة.
فقبل أيام كان رئيس الجمهورية يؤكد أن الفخفاخ باق في منصبه مدام لم تصدر في شأنه لائحة لوم أو سحبت منه الثقة، لكن ها هو رئيس الدولة يستبق الأحداث بالتشويش على لائحة سحب الثقة المودعة بمجلس النواب حتى ليبدو وكأنه يسعى إلى أن يحول دون أن تأخذ الأمور مجراها في مسار يكون فيه مجلس النواب سيد نفسه وهو الذي منح الثقة للشخصية التي اختارها قيس سعيد لتشكيل الحكومة.
وهنا نكون أمام مسارين أحدهما رئاسي والآخر تشريعي فيما أن الدستور لا يحسم في شأن من هذا القبيل أي التداخل بين الصلاحيات والتدخل في المسارات في مثل هذا الوضع السياسي.
ولعلنا نجد بعض المنطق فيما نشره النائب سيف الدين مخلوف اليوم على صفحته بالفايسبوك حيث كتب “أن إيداع لائحة سحب الثقة طبق الفصل 97 يعلق آليا تفعيل أحكام الفصل 89 المنظم للاستقالة الطوعية..والفصل 99 المتعلق بعرض الحكومة على الثقة من رئيس الجمهورية..وأي حديث آخر هو تحيل على الشعب وأنا أنزه رئيس الجمهورية عن التحيل على التونسيين.. أو على الدستور”.
ولعل الأسئلة الباحثة عن إجابات شافية هي: لماذا لم يترك قيس سعيد لائحة سحب الثقة تأخذ مجراها في مجالها المحدد في الدستور وهو مجلس نواب الشعب؟ ولماذا اختار رئيس الجمهورية الخوض في مسألة سياسية مع الفخفاخ بحضور الطبوبي أمين عام المنظمة النقابية هذا إذا اعتبرنا أن حضور الغنوشي يعد “منطقيا” بصفته رئيسا لمجلس النواب؟ ولما لم ينتظر قيس سعيد نتائج لجنة التحقيق البرلمانية ونتائج الهيئة العامة لمصالح الرقابة الإدارية (الحكومية)، للتحقيق في شبهات تضارب المصالح التي تعلقت برئيس الحكومة؟.
بالتأكيد هناك أسئلة أخرى لكن محاولة القراءة السياسية لما يحدث إذ ربما أراد قيس سعيد أن يحرم حركة النهضة وأنصارها خصوصا حزب “قلب تونس” من انتصار سياسي من خلال التصويت في مجلس النواب على سحب الثقة من الفخفاخ، كما أنه قد يكون أراد تجنيب محمد عبو والكتلة الديمقراطية أي حرج عند التصويت على اللائحة .. فهل ستصوت الكتلة مع الفخفاخ المتعلقة به شبهة تضارب مصالح أم ضده وهو الذي وقف معه عبو ودافع عنه منذ الكشف عن الشبهة.. أو تحتفظ الكتلة بأصواتها؟..
أمر غير مريح لمحمد عبو الذي أصبح عرضة لـ “الاختراق سياسيا” في مشهد سياسي تطغى عليه ظلال “النهضة” و”قلب تونس” و”الحزب الدستوري الحر” وبالتالي يكون قيس سعيد قد ضحى بالفخفاخ ليحول دون خسارة عبو مستقبله السياسي.
ومهما كانت التأويلات والقراءات لما صدر عن رئيس الجمهورية بخصوص الفخفاخ فإما أن يكون الأمر يتعلق بـ”ضربة معلم” حديث العهد بالسياسة أم ضربة نجار أخطأت مطرقته المسمار…
نور الدين عاشور