بقلم: عبد الرؤوف بوفتح أمّا قبل: أنا بخير،، طالما ما […]
بقلم: عبد الرؤوف بوفتح
أمّا قبل:
أنا بخير،، طالما ما زلت أمشي في الشوارع ، وأعرف الناس من حولي ، وأبتسم مثل الغريب لكل مَنْ يمد لي يده مصافحا، ولا أنكر ظلّي ، وأتذكر حماقاتي ، وأركض أحيانا فوق الرصيف متعثرا مثل فراشة ، لالتقط ورقة توت يابسة تلهو بها الريح لأني أحب مذاق التوت وعمره قصير،، وأتنهد مثل طفل تهشمت بين يديه لعبة أحبها كلما اشتقت إلى امرأة ناولتني الحرير ..ثم تركتْ تحت وسادتي وصية وردة أهْمَلها البُستاني.. واختفت في غَمْضة عين..
أنا بخير،، أترحم على أمّي وأبي كل صباح جمعة ،، وأتحسّس ملح دمع في الأهداب.. ثم أتمتم : أي موت سخيف هذا الذي يأخذ الجذور والرحيق…
أنا بخير،، طالما ما زلت أستطيع التحدث الى عقلي وحواسي في هدوء أبي الحسن البصري ، حول الرياح كيف تزنى ، ولماذا موسى جاء قبل عيسى.. ولماذا يظل العنب فيه اللذيذ.. وفيه النبيذ.. فيه الحلال وكل نواياه مفسدة وحرام.. ولماذا كل هذا التيه…؟!
-أمّا بعد:
أنا لست بخير، لأني اتنزّه بين سجن وسجن، وكل باب يُفضي الى باب، وأتشرد في وطن دسَسْتُه، مثل غيري، في العروق والأنفاس. لم يعد يصلح حتى لإقامة مؤقتة للطيور المهاجرة.
وطن مَنْفى من الرمل والضياع، والفقر، والجهل، والحيرة .. وهلم نواحا..
ألم يقل المبدع الفرنسي المتشرد، المنحرف الجميل، سيئ السمعة ” جون جِيني”: ” الوطن عندي، ثلاثة او اربعة أشخاص..! ” …
ثم أليست أوطان العصافير في مناقيرها.. وفرحتها وعشقها في أجنحتها..؟!
لست بخير لأني حين أنظر الى خارطة بلادي التي ينبت فيها الريحان والزعفران، وتموج خاصرتها وحقولها ومروجها وحدائقها وأطرافها، وصحراؤُها بما تشتهي كل عين، فيها من فاكهة قل اعوذ بربي الفلق..
تونس هذه التي لا يتجاوز عدد سكانها، ضاحية من ضواحي عاصمة الصين ” بيكين”..
تونس هذه بلغ عدد أحزابها أكثر من مائتي وكالة نَهْب وخراب.. وآلاف الجمعيات والمنظمات ومواخير صناعة الوهم والفجور، والسرقة والسلب والخديعة .. وتكتظ صالوناتها بشتى أرهاط اللصوص والزناة والمرتزقة وقطّاع الطرق ..وكل أدوات السلخ والمسخ والموت البطيء..
تونس هذه التي بات يحكمها الدجّال، والمقامر، والمُهرّب، والنطيحة، وبائعو عطور الحوريات في المقابر.
تونس هذه التي لا تفَرّق غالبية سكانها في الأعماق والأرياف بين ” صاحب الحمار ” وصاحب الجزّار”..
بين ” أهل الكهف ” و” أهل السيف” … بين ” امراة العزيز ” وامراة” أبي لهب..”
تونس هذه التي هَجّ منها علماؤها، وأطباؤها، ومهندسوها، وكل نُخبها، وهم في ريحان الشباب والعطاء. وفي ريعان التوهج والاخضرار.. ولم يبقى داخل أسوارها غير “آل بني قريضة” ومن تزلّف من المَوالي والقرامطة”..
أما الذين تقطعت بهم السبل ،، فهو خارج الأعراف ، يستغيثون من خلف الأسوار بعد خراب البصرة..
– هل سمعتم بالشاعر العاشق حد الموت حين قال : ” .. حَدّثْتَنِي عنها يا سَعْد ،، فزِدْتَني جُنونا… فَزِدْني حديثا عنها يا سعد”..!
لذاك أنا بخير ،، لست بخير..
أنا أحبّ تونس… وأسبّها….!