مرة أخرى ، ُيسارع قضاؤنا في النطق بالحكم على المُدوّنة […]
مرة أخرى ، ُيسارع قضاؤنا في النطق بالحكم على المُدوّنة التونسية ” آمنة الشرقي” بستة اشهر سجنا من اجل تدوينة وصفتها هي نفسها، انها كتبتَها في عزّ الحَجْر الصحي ؛ ومن باب الافكار المتقاطعة واللهو..دون قصد منها للمساس بالعقيدة الاسلامية او تحت يافطة ازدراء الاديان… وما شابه ذلك..
وضمن التفاتة بريئة لتاريخنا الديني ، قرأنا ان هذين الرجلين تحديدا : ” الاسود العَنْسي : صاحب صنعاء” و” مسليمة الكذاب : ” صاحب اليمامة .. كما يطلق عليهما ،لم يكتفيا بمعارضة بعض سور القرآن فحسب..بل ادّعيا النبوّة علنا ، في عهد رسولنا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم..بل ان “مسليمة” صدح بها في حضرته واقترح عليه تقاسم النبوة معه..او من بعده..فاكتفى الرسول – صلوات الله عليه- بالدعاء عليه..ثم انصرف..
كما تخبرنا الروايات المتواترة ان ” اسود” صنعاء المشار اليه ، قد آمن بدعوته خلق كثير، ووصلت فتوحاته الى حدود ” نجران” بالحجاز او نَجْد ، واقاليم اخرى شاسعة في اليمن ، وظل على حاله لسنوات طويلة وذلك في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم…
وكذلك الشان بالنسبة ل : ” مسيلمة” الكذاب”..الذي ظل يمارس هَلْوسته حتى زمن ابي بكر الصديق رضي الله عنه..وما يعرفه الجميع حول حروب الرِدّة..
ثم تلاهما العشرات من المعتوهين بعد ذلك في كامل فترات الخلافةالاسلامية من الحجاز الى افريقية..وما ابتدعوه من نصوص لا تعدو ان تكون سوى صورة طبق الاصل منقّحة وفيها الكثير من الرداءة والركاكة والدعابة الماكرة والبلاهة ايضا ، وهي مقتبسة او متاثرة في جانب كبير منها بِسَجْع الكهان زمن الجاهلية واوائل الاسلام .. ثمّ قِسْ على ذلك ما نسب الى ابي الطيب المتنبي ، وابي العلاء المعري.. وأبى نؤاس وبشار بن برد .. فضلا عن الكثير من الفلاسفة والمتصوفين الذين نعتوا بالزندقة وحتى الالحاد اصلا..
انا.. لا أصفق بطبعي ، ولا استحسن قطعا اتْيان مثل هذه التصرفات الشاذة والغريبة عن عقيدتنا الاسلامية السمحة،، لانها في النهاية لا تضيف شيئا الى حياتنا الخاصة والعامة ، واعتبر ، انها لا تدخل في مبادىء حرية الرأى والتعبير ، والمعتقد..بل اجزم انها مسالة شخصية بحتة تظل بين العَبْد وربّه..ولا علاقة للاخرين بها..ومَضارها كثيرة.. لانها تثير الانشقاق والكراهية ، وتبثّ الفتنة والتباغض والقلاقل في اوساط العامة ..ولا منافع من ورائها اصلا… وهو رأي يلزمني لوحدي طبعا..
غير اني اردت التحدث في هذا المجال ، لاعرّج على قَضائنا التونسي ، في ظل ما تعج به بلادنا اليوم من خطوب ، وكيف تم دفع قضية الفتاة التونسية ” الشرقي” بمثل هذه السرعة الى الواجهة الامامية في المشهد التونسي العام ، لانها طبخة هبطت على اشباه ساستنا من السماء وعلى طبق من ذهب كما يقولون ،، وان الهدف من ورائها وكالعادة وبنفس اسلوب منتصبي السياسة الفوضويين في بلادنا طبعا منذ عشر سنوات.. الهاء الراي العام التونسي ، عما يحدث تحت قبة البرلمان وفي اروقة القصبة وفي قصر قرطاج ، وفي صالونات اللصوص ليلا ونهارا وحتى في الشارع السياسي المفضوح… من مهازل ونَطْح ، والعاب سيرك ، ومسخرة في حق وطننا وشعبه بكل المقاييس الرديئة والحقيرة .. وفي كل الاتجاهات والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية..وفي مقدمتها بالاساس الواجهة السياسية التي تزداد تعقيدا .. وغرابة وتعفنا..
لماذا لم يسارع قضاؤنا المفتعل ومنذ سنوات وبمثل سرعة قضية الحسناء التونسية الى انارة الراي العام التونسي حول مآل قضايا شرف دموية عديدة عالقة منذ سنوات ، ذُبح فيها خيرة جنودنا ورجال امن ابرياء وهم يلبسون زي الدفاع ودرع الذود عن الوطن من سفالة طغمة من المرتزقة الظلاميين.. وقَبلهم .. تم اغتيال قادة ابرار هبّوا في وجوه من ارادوا اغتصاب شرفنا وخطف طمانينتنا وافراحنا..؟
ولماذا تتكدس في ادراج محاكمنا وفوق رفوفها الى اليوم عشرات ملفات الفساد تتعلق بمئات من اللصوص الذين نهبوا المال العام..وافتكوا قُوت الفقراء والمحتاجين غصبا وبدون وجه حق..وصادروا كل الجِمَال والقوافل بما حملت…ولا حياة لمن تنادي..الى يومنا هذا..
وفجاة.. وكأننا اتممنا انجاز تنظيف كل هذه المزابل المتكدسة.. لم يبق لنا..لانارة الراي العام، سوى قضية “الشرقي” …وكأنهم مسكوا الاسد من اذنية..وضبطوا السارقة وفي يدها بيضة السيدة ” خديحة بنت خويلد” – رضي الله عنها..وقد ماتت ،، واحدى بناتها متزوجة من كافر..في بداية رسالة خاتم المرسلين صلوات الله عليه وسلم..
ان تنهيدةالألم طويلة جداا يااااسادتي..وكل الذين اوجعونا يسكنون الى هذه اللحظة في دمنا وانفاسنا ، ومستمرون في رفسنا وسلخنا ومسخنا..!
قد يجوز.. اننا تخلصنا من الدماء .. لكن لا تزال تسكننا جراح عميقة كثيرة..على حد تعبير الروائي السوري الكبير ” حنّا مينه”..لروحه السلام..!
انهم..يتقصّدون استبلاهنا والضحك علينا باستمرار .. انطلاقا من ذاك المثل الشعبي التونسي : ” يَهْمزوننا .. ثم يختبِئُون خلف البردعة..!