بقلم حافظ الغريبي عاشت تونس خلال عشرية الثورة أنماط عدة […]
بقلم حافظ الغريبي
عاشت تونس خلال عشرية الثورة أنماط عدة من السحل العلني للذوات الطبيعية والمادية في مشهد سريالي بأتم معنى الكلمة.
وقد بلغت الوقاحة بممارسي السحل العلني للشخصيات والرموز بأن انتظموا في شكل صحف ورقية ورقمية وإذاعات وقنوات تلفزية إلى أن تحركت السلط باسم قانون الطوارئ وأرجعت قليلا من الأمور إلى نصابها ثم عادت لتستغل نفس الماكينة في حرب التموقع المحمومة.
ويتذكر الجميع كيف أن التلاسن العلني بلغ حدّ تسمية من يمارسون السحل بالوكالة زبانيتهم الكلاب.. والجميع يتذكر تلك المقولة الشهيرة لشفيق الجراية عندما توجه بالحديث لكمال اللطيف ” شد عليّ كلابك نشدّ عليك كلابي” ..
وخلال السنوات التي تلت انتخابات 2019 تواصل ترذيل المشهد ببرلمان تحوّل فيه النواب إلى نعاج تفتك..وإن ننسى فلن ننسى المقولة الشهيرة لرئيس حزب الرحمة سعيد الجزيري عندما اتهم رئيس كتلة ائتلاف الكرامة بسرقة نعجتيه عفوا نائبيه.
وكامل الفترة التي سبقت يوم 25 جويلية 2021 كان مجلس النواب كما الفايس بوك مسرحا لجرائم السحل والعنف اللفظي ونشر الغسيل المتسخ والعبث بكل أشكاله إلى أن جاء اليوم المشهود ولبى قيس سعيد رغبة كامنة في نفوس العديد بوضع حدّ للمهزلة.
كان قيس سعيد رشيقا في اختيار فتواته الدستورية وفي اختيار اللحظة التاريخية فبدا تحركه-رغم مغامرته المجهولة العواقب- وكمن يقطع الزبدة بسكين لسهولة تمرير قرارته ومراسيمه رغم قساوتها.
واليوم وقد هدأ بال الشعب من مشاهد الترذيل يتفاجأ بمشاهد أسوأ مما عاشها بعد أن عادت المعارك الطاحنة بالوكالة بين مليشيات فايسبوكية منسوبة لشخصيات تحكم أو غادرت القصر الرئاسي مؤخرا زادها “شعب الحراك” الفايسبوكي تأجيجا.. وباتت أسرار الدولة معروضة على قارعة الطريق بل الادهى والأمر طالت تلك المعارك الأعراض والشخصيات الرسمية في مشهد لم نعهده من قبل سيما وقد استقام الحكم بيد طرف واحد.
واليوم نجد وزراء ومسؤولون سامون في الدولة متهمون وضحايا في نفس الوقت وحتى القضاء والجيش الوطني أقحموه في تلك المعارك الفايسبوكية في ظل صمت رهيب لمن يمسك بالسلطة الذي اكتوى بنفس النار التي كووا بها أنصاره أعداءه.. صمت ممن كانت له جرأة غلق البرلمان وتعطيل الدستور..
فهل يكفي بحث تحقيقي في تسريبات صوتية لنادية عكاشة أن يقطع مع صفحات وحيطان امتهنت السحل والابتزاز ونشر أسرار الدولة؟
وهل من المعقول أن يصبح الفايس بوك القناة الرئيسية لأنشطة رئاسة الدولة والحكومة والوزارات سانحا الفرصة لمارك زوكربارغ كي يجمع كل التفاصيل عن كيفية تفكير الشعب التونسي وعن أرائه ومواقفه من خلال تعليقاته في أكبر عملية جوسسة على التونسيين؟
هل هناك دولة تحترم نفسها تضع كل معطياتها بيد منصة تواصل اجتماعي عوضا عن وضعها على منصتها الخاصة؟
هل هناك دولة تترك منصة اجتماعية تجني الأرباح من خلال سب التونسيين لبعضهم البعض وهتك أعراضهم؟
هل هناك دولة تسمح لمنصة اجتماعية بأن تصنع قادتها القادمين من خلال حملات دعائية بالدولار مدفوعة على حساب دواء التونسي وقمحه؟
وهل من قدر على الأكثر كما يقول الفرنسي لا يقدر على الأقل؟
وهل هناك رئيس في العالم يقدر على غلق برلمان ويعجز على غلق منصة اجتماعية أفسدت البلاد والعباد وقضت على الاعلام الرشيد خلال العشر سنوات؟
أصدقوني لو أُغلق الفايس بوك شهرا واحد في تونس لعاد الرشد للجميع وعادت البلاد للعمل.
فهل هناك أذنا واحدة صاغية؟
حافظ الغريبي