تابعت منذ مدة ،، ومن باب التعمّد والقصد لغاية في […]
تابعت منذ مدة ،، ومن باب التعمّد والقصد لغاية في نفسي ، كتابات أحد المربين بل هو يشرف على مؤسسة تربوية برمّتها
لتلامذتنا في مرحلة الابتدائي ، ويكتب بطريقة تشبه اعداد طبق ” البتزا”..
وكما تعلمون فان مسؤولية المُربّي اقدس واعظم واشد نبلا وانضباطا ، وَوَعْيا وحرصا على اشاعة رسالة نبيلة وسامية ذات فكر اصيل نيّر نظيف وهادف من شانه ان يساهم في تربية ناشئتنا حسا ومعنى ويزيد في تجذّرهم وترسيخ الهوية العربية بكل قِيَمها وتراثها وإرْثها الحضاري العريق ..ومن جميع الجوانب..خاصة في المرحلة الاولى من الدراسة على اسس علمية وبيداغوجية راقية، مدروسة وصحيحة.. وبالتالي ترغيب الصغار على الاخذ بناصية لغتنا العربية مبكرا في أبهى قواعدها ومعانيها..
تابعت كتاباته التي يعمد من خلالها الى ترجمة كلمات بل جمل باكملها من الفرنسية الى لهجتنا الدارجة..وليست الى العربية على الاقل..بشكل مقزز ورديء..وادراجها في صياغة ركيكة ضمن ما يزعم انها قصة او رواية او حتى قصيدة نثر ما انزل الله بها من سلطان..
ومن اعاجيبه مثلا ، فهو يترجم الارقام ايضا..ويضعها عناوين لنصوصه..مثلا 28 يترجمها (فانت ويت)..او “سُونْس أنْتَرْدي” – وهكذا..من ضروب القهر..
وحين تقرا النص في عذاب.. طامعا بان هذا الرجل يعي ما يفعل..وانه طالما لجأ الى هذا الاسلوب.. واعتمد مثل هذا النوع من الكتابة ، سوف يبهرك بفكرة لم تخطر على بال عبقري.. غير انك سرعان ما تقضم شفتيك..وتلعن اليوم الذي ولدتك فيه امك..وتكره حرفة الشؤم هذه كما نعتها ابي حيان التوحيدي..ولا تجد في النهاية لا الخيط ولا الإبرة.. وان حكايات جداتنا لها مغزى وفيها العبرة والحكمة وافضل بكثير من شخير صاحبنا ،،وانك في النهاية تختنق داخل كومة قش وغبار..ثم تسأل ضاحكا..
– ما غاية هذا الرجل المسكين..من خلال ما ابتدعه من هذيان..؟
انه العبث والغباء..والجهل ..والاستهتار ، والسطحية ، والابتذال..والسذاجة..وقلة المعرفة باصول الكتابة، وحتى بمدارس السرد المتعارف عليها منذ الجاحظ.. وابن المقفع ،، وحتى اديبنا الكبير ” البشير خريف”..يرحمه الله..
وحتى ان صدّقنا سلفا ، بأنّ هذا الرجل هو من اتباع مدرسة الذين يخيّرون اللجوء الى الكتابة بلسان العامة وتوظيف قاموس لهجتنا الشعبية..فهو بالتأكيد لا يعرف اصحاب هذه المدرسة..وروادها الذين لم يمارسوا طقوسها عبثا او صدفة او تسلية او من باب خالف تُعرف..
بل مارسوها بعد تدرج في العلم والمعرفة.. وتجارب لغوية قاسية ومتشعّبة..وغوص في علوم الالسنية والاجتماع بكل فروعها ، وجهد ومكابدة في تقصي الذاكرة العربية والانتروبولوجية لِلِسان العرب ، واصواتهم ولهجاتهم منذ نشأتها الاولى.. بل وحضارات شعوب برمتها.. ولكم في شاعرنا الرائع الدكتور ” صالح القرمادي” يرحمه الله وتجربته الرائدة في ” اللحمة الحية”..خير دليل على الاضافة والابداع والاقناع في هذا المجال..لكن ،، يأسا وفشلا حاول لفيف لا يستهان بهم من بعده تقليده والمضي على شاكلته.. لذلك نراهم غير اط سرعان ما جفّت بحيراتهم وتساقطوا معا وتباعا مثل حجر ” لدمينو”.. لعل ابرزهم المرحوم شاعر ما يسمى بحركة الطليعة ” الطاهر الهمامي” يرحمه الله ، و” الهادي البالغ” ومن لفّ لفّهما في تلك الحقبة من ستينيات القرن الماضي ..بسبب قلة الدراية.. والجهل بأصول الصنعة..وركوبهم تلك الموجة من باب ” الموضة” والتقليد الاعمى وهلمّ ضحكا..
إن ما يؤلمني حقا في هذا الصنف من “الكُتّاب العموميين” ، ان يجدوا لهم قُرّاء ، وقارئات..يصفقون ويصفّقن لهم اعجابا..بل تجدهم من باب المجاملة احيانا..يرددون في حضرتهم ، انهم من صفوة كُتّاب السرد ، واملهم ان لا يبخلوا عليهم باطلاعهم ، ولو بالقليل ، على تجربتهم.. وتدريبهم على الاخذ بمنوالهم..
لقد عاش “سعيد عقل” اكثر من قرن بعقله وفكره وروحه..وثقافته الغزيرة محاولا الخروج من لغة القرآن..ومن أبجدية اللغة العربية.. داعيا الى اعتماد العامية اللبنانية وغيرها من لهجات العرب الاخرى..في المدارس والمؤسسات وكل الفضاءات والشوارع بالبلدان العربية كافة ..بل زاد على ذلك..واستنبط 36 حرفا ابجديا للهجة اللبنانية.. وحثّ على التحدث بها كتابة ونطقا..
لكن..اين ” سعيدعقل” الان..واين مدرسة “اللّبْنَنَة “.. وغيرها من المدارس الاخرى وتلك الموجة التي تأثر بِزَبَدِها – آنذاك- لفيف لا يستهان به من المثقفين والادباء في انحاء الوطن العربي من باب الخصوصية واعتماد المحلية وتوظيف لهجة التخاطب اليومية في كتابة الاثر الابداعي عموما وذلك ظنا منهم بانها ايسر طريقة لايصال رسالتهم للعامة بكل يسر وواقعية.
هذا اذا كان صاحبنا الذي اعنيه على دراية بما يفعله اصلا..؟!
انا لست ضد المخيال الشعبي، وتراث دارجتنا البديع والزاخر حقا بالملاحم والروائع في شتى الاغراض والانماط ، بل اعتبره رافدا مهما من روافد حضارة بلادنا ، وينبوعا غزيرا ، ثريا ، متنوعا ومتجددا في جغرافيا هويتنا ، وخصوصية ملامحنا الثقافية والاجتماعية والتاريخية منذ اقدم العصور..وهو يزيد..يتجدد ، يتنوّع يتوهج..ولا يفتر او ينطفىء.
كما اني من عشاق الادب الشعبي : نثرا ، شعرا، ملاحم نضالية عظيمة . وحتى طربا وغناءا..بل ارى في جوانب كثيرة منه ما هي اعمق وانقى وأبقى من مَثيله الذي صيغ باللغة العربية الفصحى..
لكنني امقت التغريب، والتبعية ، والتقليد..والسطحية في الصياغة والتأثيث
وتهميش واقعنا ضمن اسلوب رديء ،ركيك وتقريري لا روح فيه..ولا خصوصية : سردا.. نصا..ومعنى..
– أذكر اني حضرت منذ سنوات عديدة ، ندوة فكرية حول مجلة الفكر التونسية
الرائدة التي اسسها المرحوم ” محمد مزالي” والتي كان لها الدور البارز في التعريف بالادباء والشعراء والمفكرين التونسين مشرقا ومغربا..على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم..في خضم وجود هجمة وهيمنة ثقافية عربية سائدة- انذاك- من مصر والعراق ولبنان –
وقد خصصت تلك الندوة للادب التونسي ،
والهوية التونسية ، وضرورة حمايته من كل اشكال التقليد.. والتبعية والتغريب والذوبان .. بل لا بد له ان يغرف من شتى المنابع الفكرية الانسانية مشرقا ومغربا.. ليس اخذا فقط.. بل اضافة وعطاءا كذلك..بل لا بد له ان يحمل بصمة وخصوصية ضمن دائرة المعارف والثقافات الكونية.
واذكر..ان احدهم بدأ بالحديث مطولا -ضمن هامش جلسات تلك الندوة – باطناب وانبهار، لا مثيل لهما حول مسيرة نجيب محفوظ الادبية..وكيف استطاع الوصول الى العالمية من خلال ” المَحلية” ، ومعالجة قضايا ومشاغل وهموم المصريين من كافة زواياها وادق جوانبها وتفاصيلها..
لم يتمالك المرحوم ” محمد مزالي” من ضبط نفسه..فقاطع المحاضر، وهو يصيح مرددا:
– يا أستاذ ..عندي انا ” بَلْغَةُ الروائي العبقري التونسي” البشير خريف”..افضل بكثير مما تحدّثتَ عنه الان..”..انصحك بقراءة روايته ” الدقلة في عرَاجِينها ” او ” حُبك دَرْباني”.. جيدا.. ياا حضرة الاستاذ..ثم اهتزت القاعة بالتصفيق.. بعد ذلك يااا سادتي..!