بقلم: عبد الرؤوف بوفتح أقلعت بنا .. طائرة الخطوط الملكية […]
بقلم: عبد الرؤوف بوفتح
أقلعت بنا .. طائرة الخطوط الملكية المغربية من مطار تونس قرطاج الدولي..باتجاه الدار البيضاء.
بعد لحظات احسست ان قلبي سقط في حِجْر تونس.
لست أدري كيف تغمرني حالة الانقباض هذه في كل مرة أُفْرد فيها اجنحتي لأسافر وأطير شرقا أوغربا..؟!
ولست أدري لماذا لا تستهويني كثيرا أجمل العواصم الاوروبية والعربية كلما حللت بها من باريس وروما وبرلين وجينيف والقاهرة وبغداد ودمشق وغيرها م المدن التي تعج بالحركة والجمال والحرية ومباهج الفكر والثقافة وإيقاع الحضارة المدهشة التي تنفخ في وجداننا عبقا انسانيا نبيلا لا ينطفىء أبدا. !
قد تكون تونس مرضعتي..وقد لا أريد فِطامي.. ربما..!
وقد تكون تونس لي قفصي الذي أحب..
أو شارة فرحي وعش قلبي الذي فيه كل ذكرياتي بطيبها وعذوبتها، وأوجاعها برياحها وأشجانها وأغانيها عبر كل الفصول.. ربما..!
ثم أنا.. تقتلني الأُلْفَة والعشرة .. فحتى أزرار قميصي البالية تحزنني كثيرا ..بل افتقدها الى درجة غريبة وإلى حد لا يوصف..حين أهملها أو أتخلى عنها..
بعد دقائق من الإقلاع.. رحب بنا قائد الطائرة والطاقم المرافق له بصوت متهدج مكسور..ثم اخبرنا ان مسار الرحلة تغير منذ بضعة أيام..ليلامس جزيرة صقلية..وبعض الجزر الاسبانية وحتى بعض سواحل مدنها الى غاية مدينة ” مالقة”.. بعد ان كانت الطائرات المغربية المتجهة الى تونس ودول الشرق الاوسط وتركيا والامارات ..تطير عبر الاجواء الجزائرية.
بالتاكيد تعرفون سبب ذلك.. وقرار السلط الجزائرية القاضي بمنعها من استعمال مجالها الجوّي لأسباب اكثرها غير معلنة.
كان الوقت ليلا..وكنت انظر من النافذة..وأتساءل في مرارة وحرقة :
– لماذا يفعل العرب ببعضهم هكذا؟
– الم نسمع ونشاهد مئات الاجتماعات واللقاءات بين قادة دول المغرب العربي منذ عقود..وهم يتعانقون ويلهجون بخطب حماسية رنانة أذرفنا من اجلها الدموع مبشرين بعزمهم توحيد بلداننا المغاربية..وفتح كافة الحدود أمام الشعوب..فلاجواز سفر..ولا تأشيرة.. ولا قيود…؟!
– لماذا يدخل الفرنسي او الالماني او الايطالي كافة دول اروبا التي تعج باللغات والاعراق والجنسيات المختلفة ببطاقة تعريف وهوية بدل الجواز ودون تأشيرات أو عوائق .. بل يدخل بلدنا وحتى بيوتنا ببطاقة هويته فقط..ونحن نعتذر أمام خطواته بابتسامة حاتم الطائي.
ونظل نحن نستجدي تأشيرة دخول لبلدانهم لأيام وأسابيع وبمبالغ باهضة بأساليب ذليلة.. فيها الكثير من المهانة والاحتقار.. ثم انت وحظك..قد تحصل على التأشيرة ..وقد تجابه بالرفض..لكنهم لن يرجعوا لك اأموالك في نهاية المطافة ابدا.. ومهما كانت النتيجة ..!
– السنا نحن أجدر منهم بالتآزر والتاخي والمحبة والتعايش الراقي فيما بيننا جغرافيا وعشائريا وإنسانية تأكيدا وترسيخا لروابط الدين الواحد واللغة الواحدة والعرق والارث الحضاري..؟
– لماذا عشنا كل هذه العقود..ونحن نمضغ الوهم..ونجتر أكاذيب حكامنا..ونتباعد عاما تلو عام عن خيمات بعضنا..وأواصرنا ونبدل جلودنا مثل الثعابين ..؟!
– لماذا كل ما يكره حاكم عربي..حاكم عربي آخر..يعزل شعبه عن الشعب الآخر دون علمه ورضاه مشورتة بجرة قلم ..وكأن بلده ورعيته ملك أبوه..؟
لم يتوقف حزني عند هذا البؤس العربي الذي نعاني أوزاره منذ قرون..بل اشتدت بي الحال ونحن فوق سماء مدينة ” مالقة” الاسبانية حبن تذكرت الاندلس..وتلك القصيدة المبكية ” لأبي البقاء الرندي” (صالح بن يزيد الرندي)في رثاء الأندلس.. وهي بكاء المدن التي سلّمها ملوك الطوائف والتسهيلات التي قدّمها أولئك الملوك للصليبيين؛ من أجل المحافظة على ملكهم الوهمي الذي لم يبق منه سوى الغناء والجواري..والخيانة والأوجاع التي لن تخفت ابدا بعد ان سلبها منهم الصليبيون آخر المطاف..
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكًا فِي مَنازِلهِم
وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ