تونس الآن عاشت تونس خلال العشرية الأخيرة من زمن بورقيبة […]
تونس الآن
عاشت تونس خلال العشرية الأخيرة من زمن بورقيبة تحت ضغط التيار الديني الذي تغلغل في صفوف الشعب وأضحى لأتباعه القدرة على التأثير المباشر على عموم الناس.
وأذكر فيما أذكر ان بعض الاتباع “الاتجاه الإسلامي” آنذاك، كانوا يطرقون أبواب البيوت لإعلام سكانها بحلول هلال رمضان او العيد ولإبلاغهم أن الرزنامة التي وضعها العلماء المسلمون في مؤتمر إسطنبول لسنة 1978 واعتمدها بورقيبة خاطئة.. الشيء الذي قسّم موعد الاحتفال بتلك الأعياد داخل المجتمع الى حين وصول زين العابدين للحكم -والذي عاش بدوره ضغطا بين تيار محافظ واخر علماني- فاستنبط الامر الجمهوري عدد 727 لسنة 1988 الذي جعل منه “تخريجة” مثلى للتصرف بكل اريحية بعد ان جمع بين الرؤية المجردة للهلال والاستئناس بالحساب بشكل يجعله يقرر موعد حلول رمضان او الأعياد وفق ما قد تفرضه مصالح الدولة.
واليوم وبعد أن دخلنا عصر العولمة وتغيّرت الأمور علميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا فأضحت تقنيات الرصد أكثر تطورا ودقة بما يسمح بتحديد روزنامة على امتداد قرن كامل دون هامش خطإ يذكر، وأضحى الشعب أكثر انفتاحا وازداد رفضا للتيارات الدينية وأضحت علاقته المهنية والعائلية أكثر تعقيدا وتتطلب انضباطا ووضوحا أكثر من أي وقت مضى بما يجعله يرفض انتظار اطلالة المفتي لبرمجة ما سيقوم به من الغد مثله مثل المؤسسات المالية والاقتصادية التي أضحت بدورها أكثر ارتباطا بالخارج وفي حاجة لبرمجة واضحة لأيام العطل بنفس القدر الذي يطلبه الخارج بدوره منا ..
وبالتوازي أضحت السلطة بيد شخص واحد وبدستور قدّ على المقاس جعل الدولة من خلال فصله الخامس الوحيدة التي “تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية.”
ورغم الجدل الذي رافق هذا الفصل ولم يتوقف ففي اعتقادي أن اصدار امر جمهوري جديد يعتبر أفضل اختبار لهذا الفصل ولمن وضعه فمغادرة الناس بيوتهم في ساعة متأخرة بعد اعلان المفتي رؤية هلال العيد للالتحاق بمسقط الراس مع ما يمثله من خطر على حياتهم نظرا للاكتظاظ التي تشهده فجأة الطرقات وارتفاع نسب حوادث المرور يصبّ مباشرة في خانة الحفاظ على النفس وبالتالي العرض.. أما الضبابية التي ترافق حلول موعد العيد او رأس السنة الهجرية ومدى تأثيرها المباشر اقتصاديا فإن وضع روزنامة واضحة ودائمة يتنزل في خانة الحفاظ على المال وحتى من لا يقبل بالرزنامة فله الحق في ذلك وأمره يدخل في إطار الحفاظ على الحرية.. وبالتوازي فإن أفضل ما يمثله الحفاظ على الدين هو تقديم صورة ناصعة عنه عوض تلك الصورة التقليدية التي تجعله غير مواكب لعصره، دين محنط وقاس على المؤمنين به وغير المؤمنين.
اليوم، إذا، يعتبر قيس سعيد أمام أول اختبار لحسن استخدام الفصل الخامس من الدستور، اختبار يجعله يقطع مع مهزلة طالت كثيرا وآن الأوان لوضع حدّ لها لتأكيد علوية الدولة وحسن توظيفها لمقاصد الإسلام وحسن استغلال موارد الدولة.. ويكفي القول إن يوم عطلة او تعطل إضافي يكلف الدولة نقصا في الناتج القومي الخام بنصف مليار دينار تقريبا إذا ما اعتبرنا أن أيام العمل هي 255 يوما في السنة دون احتساب انعكاساتها على المعاملات الخارجية.
فهل يفعلها الرئيس ويأذن بوضع روزنامة واضحة للأعياد الدينية تنهي حالة الفوضى التي نعيش على وقعها أم ترى له في الفصل الخامس مقاصد أخرى؟.
حافظ الغريبي