بقلم: علي الجليطي عشت في مطلع الثمانينات من القرن […]
بقلم: علي الجليطي
عشت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي في جنيف بسويسرا. ورغم إني لم أستطب العيش فيها وانتقلت بالوظيفة إلى بروكسل قبل العودة النهائية إلى تونس، غير أني مازلت احنّ إلى تلك البقاع التي اشتهر ناسها بدقة العمل على طريقة نظام الساعة السويسرية وكيف تغمرني دائما الرغبة في مقارنة بلادنا بما يجري هناك حتى وان كان الفرق بيننا شاسعا لا يُحتمل. لذلك سأروي لكم اليوم ما شاهدته على شاشة التلفزيون ت.ف.5، وهو برنامج من التلفزيون السويسري يتضمن 3 فقرات الأولى حول استعدادات الإدارة لمجابهة وباء الكوفيد وبالأساس تنظيم عملية التلقيح والثاني حول مديرة المدرسة السياحية بلوزان والثالث حول التجارة الالكترونية. وما يهمّني هنا هو إفادتكم بالفقرتين الأولى والثانية.
لقد أبرز البرنامج كيف سهرت الإدارة على اتخاذ كل التدابير اللازمة لإنجاح عملية التلقيح للمجتمع السويسري بمشاركة أكبر عدد ممكن من الأطراف، منها الإدارة طبعا والطاقم الطبي وشبه الطبي ولكن أيضا الجيش والحماية المدنية والخواص من أمثال منظمي التظاهرات الثقافية والمهرجانات المعطلين عن العمل في الوقت الراهن. هؤلاء الشباب يشاركون في التركيب المادي للفضاءات الطبية المخصصة لاستقبال المواطنين وفي توجيههم داخل هذه الفضاءات وإرشادهم.
والجيش يهتم بمرافقة صناديق اللقاح من موردها إلى مكان استهلاكها في ظروف تحترم السرية والأمن وشروط المحافظة عليها بما في ذلك قياسها في كل محطة بمحرار دقيق باعتبارها تحتاج إلى درجة منخفضة تصل إلى 80 درجة تحت الصفر ولو أن مصنعي هذا اللقاح هم بصدد إعداد لقاح بدرجة ارفع من هذه بكثير بما يسمح بنقله في ظروف أيسر.
والعمليات البيضاء متواصلة على قدم وساق بمشاركة الجهاز الاستشفائي والحماية المدنية والصليب الأحمر والمتطوعين، وكل شيء مهيأ ومنظم على طريقة الساعة السويسرية حيث ينتظر تلقيح قبل 6 أشهر ما لا يقل عن 5 ملايين مواطن من جملة حوالي 8.5 مليون. كل شيء معلوم من الجميع من هم المرشحون للتلقيح ضمن الأولوية ومن سيقوم بمهمة التلقيح وأين وكيف ومتى. والنتيجة اليوم بالرغم من التأخر النسبي لعمليات التزود فان حملات التلقيح بدأت منذ نهاية شهر ديسمبر وتتواصل بكل جد وعزم.
الفقرة الثانية من البرنامج تهم نشاط المدرسة السياحية بلوزان التي يؤمها أكثر من 3 الآف طالب من 183 بلدا. وتقولون ما يهمنا نحن في تونس من هذه المدرسة. أذكر فقط أن مديرتها اسمها إيناس بلال ولدت بتونس وعاشت طفولتها ودراستها الثانوية بها ثم انتقلت إلى أوروبا ثم أمريكا حيث تحصلت على الدكتوراه قبل الاستقرار بسويسرا والسهر على اكبر مدرسة للسياحة والتسيير الإداري. هل ما زالت تذكر تونس؟ ! لا اعلم، ولكنها تحدثت عن أزمة الكوفيد وتداعياتها على القطاع السياحي في سويسرا، وكيف أنهم رغم صعوبة الوضع فهم يعملون على أن يجعلوا من الأزمة وانعكاساتها فرصة للإبداع والتجديد بدلا من الخنوع والخضوع… فبحثوا عن تشجيع السياحة الداخلية وعن استنباط أنشطة جديدة مثل بيع المأكولات بالمراسلة أقصد عن طريق السُعاة…وطوّروا برامج المدرسة بحيث تهيئ طلبة لا للعمل فقط في القطاع السياحي بل في كل نشاط خدماتي فيه اتصال بين التاجر والحريف أي فيما يتعلق بالإدارة والتسيير والتواصل..
أين نحن من كل هذا؟… سواء من حيث الاستعداد المسبق والجيد لمكافحة الوباء بالتلقيح أو بمواجهة الأزمة وتوظيفها من حيث التجديد والإبداع في السياحة وكل القطاعات الأخرى المتضررة. هل نحن قادرون على ذلك؟ أم أن ثرنا بالثورة على كل شيء بما في ذلك إنهاك قدرتنا على التأقلم مع المتغيرات وحسن توظيف رأسمالنا الأول والأخير أي الطاقة البشرية وعولنا في نهاية المطاف على تلك البقرة الحلوب… تلك الدولة التي جف ضرعها والتي تسير اليوم في طريقها المعلوم… أي نحو المجزرة لا قدر الله.