تونس الآن أن تكون شاهدا على موقف حرج يباعد بين […]
تونس الآن
أن تكون شاهدا على موقف حرج يباعد بين أبويك وأنت عاجز على تحريك لسانك بكلمة فهذا من أصعب المواقف التي كنّا نعيشها صغارا لا سلطة لنا على الحكم بينهما أو تقديم النصح لهما أو لأحدهما لأنّك تغشى تلك الجملة الشهيرة:” آش مدخلك؟…”، والمصيبة أنّها قد تصدر من كليهما معا.
وحين تمرّ الأيّام، وترى الودّ قد عاد إلى أهل البيت تفرح لأنّ في تقاربهما راحة لك قبل كلّ شيء. وما يحدث هذه الأيّام، وما قد يحدث الليلة أشبه ما يكون بـ”عركة المصران في الكرش” وما ينتج عنها من مغص.
على عكس سائر البيوت التقليدية، يضمّ بيتنا ثلاثة والدين بدلا عن اثنين، وقد طال التباعد بينهم وحشر “أولاد الحلال” كالعادة أنوفهم، وتأجّجت نيران قدورهم وهو يطبخون وجبات مسمومة يقدّمونها ـ كلّ كما أوصاه ولىّ نعمته ـ والشعب الكريم يصارع وباء كورونا، ودسائس النخاسين.
غير أنّ البشرى التي حملها خبر لقاء والدينا الثلاثة الليلة حول مائدة الإفطار ينبئ بتحريك الماء الرّاكد، وقد يكون على المائدة ما نشتهي من المأكولات لو أنّ إعداد كلّ شيء كان بأعيننا وبحرصنا ويقظتنا. لذلك، نأمل أن يكون في القائمة ما يلي:
لقد أدركنا الثلاث الأخير من السباق نحو تحقيق أرضية الالتقاء الثابتة، تماما كما أدركنا الثلث الأخير من رمضان، ولا بدّ لنا من مائدة تجمع شتاتنا، وتخرس نعيق البوم وتجنّب الآخر اللئيم من صرف ماله ـ حرام باطل ـ على أمل أن يفرّق ولا يجمع ويمحو ما كتبه التونسيون بدمائهم على حائط لا بكاء عنده.
إنّنا نأمل حقّا أن يكون مآل إفطار اليوم على عكس مآل العشاء الأخير الذي تفرّق بعده الحواريون ولم يجتمعوا أبدا، وعلى غير عادة اللقاءات متعدّدة الأطراف التي تنبئ بتحالف طرفين أو أكثر على طرف واحد، سيكون للخيرات المطروحة فوق المائدة طعم تونسيّ صرف، ولن يقوم الوالدون الثلاثة عن تلك المائدة إلا للقاء وشيك حول كأس تاي منعنع مع رشّة من البندق على سطحه وضحكات تملأ الجوّ وتطرد البومة من “الحومة”.