افتتحت أمس الثلاثاء، فعاليات الدورة الأولى لمنتدى “إنسانيات” بمدرج قرطاج […]
افتتحت أمس الثلاثاء، فعاليات الدورة الأولى لمنتدى “إنسانيات” بمدرج قرطاج الحداثة بجامعة منوبة، الحدث العلمي والثقافي، الذي يجعل من تونس عاصمة للعلوم الإنسانية والاجتماعية
منتدى “إنسانيات” الذي يتواصل إلى غاية 24 سبتمبر الحالي، يستقبل أكثر من 1500 مشاركا من جامعيين، باحثين وفنانين يمثلون 35 دولة ويتفاعلون مع مضامين “المنتدى” في محاضرات وندوات وعروض فنية على امتداد خمسة أيام تشرع أبواب الجامعة لقادة الفكر والثقافة وجيل المستقبل من طلبة علم ومعرفة.
وأعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي السيد المنصف بوكثير عن الانطلاق الرسمي لــ “إنسانيات” منوّها بالقيمة العلمية لهذا المنتدى في دورته التأسيسية باعتباره رافدا هاما للتكوين والبحث في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، القطاع الأكثر قدرة على الاستشراف ومناقشة المتغيرات والأزمات في راهن يشهد عديد التحديات المناخية والصحية والاقتصادية.
افتتاح “إنسانيات” شهد حضور وزير التربية السيد فتحي السلاوتي،
ووالي منوبة السيد محمد الشيخ روحو وعددا من المسؤولين في قطاع التعليم العالي من رؤساء جامعات ومديري المعاهد العليا وذلك إلى جانب ضيوف المهرجان من سفراء وشخصيات دبلوماسية.
من جهتها، شددت جهينة غريب رئيسة جامعة منوبة ومنتدى “إنسانيات” على الأهداف الكبرى لهذا الحدث العلمي والثقافي الدولي ومنها هدف أول مزدوج يفتح فضاء المنتدى الرحب عبر مضامينه لأسئلة الراهن المشتركة وصيغ درسها وكيفية معالجاتها من جهة والاطلاع على نحو “بانورامي” على جهات البحث القائمة والمناهج المعتمدة والمستحدثة في كل اختصاص من العلوم الإنسانية والاجتماعية كما اعتبرت – في هدف ثاني – المنتدى فرصة لربط الصلة بين جامعيين وطلبة باحثين يشتغلون في حقول اختصاص وبلغات مختلفة مشيرة إلى أحد الأهداف الحيوية لــ”انسانيات” وهو إعادة الاعتبار للعلوم الإنسانية والاجتماعية في برامج تكوين الأجيال الجديدة وذلك عبر إيلائها المكانة المستحقة من قبل القائمين على الشؤون التعليم والثقافة.
بدوره قال السيد الحبيب سيدهم رئيس جامعة تونس وأحد مؤسسي منتدى “انسانيات” في كلمته إن تونس تعيش اليوم رغم الأزمات عرس العلوم الإنسانية والاجتماعية في بادرة غير مسبوقة هي تحدي من حيث الحجم ونوعية الأنشطة المبرمجة وعلى مستوى الحضور من مشاهير الخبراء والباحثين في جامعات العالم وذلك بهدف التفكير معا فيما آلت إليه الأوضاع في جميع المجالات والرفع من مكانة العلوم الإنسانية بصفتها علوم نقدية بالأساس في مجالات السياسات العمومية والتربية البشرية المستدامة وخصوصا أن الانسان أغنى ثروة وفي نفس الوقت أكبر معضلة في تنفيذ البرامج والمخططات والقوانين الهادفة في تأمين الحاجيات الضرورية مثل الحق في التعليم و الصحة وثقافة المواطنة الفاعلة وتحقيق المساواة والعدالة والكرامة.
ونوه الحبيب سيدهم رئيس جامعة تونس بالشراكة المثمرة التي جمعت الجامعات التونسية في تنظيم المنتدى الدولي “إنسانيات” مع مركز دراسات والمغرب المعاصر ومجمع المصلحة العلمية للشرق الأوسط والعوالم الإسلامية التابعة للمركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا.
من ناحيته، أقرالسيد معز شفرة رئيس جامعة تونس المنار بأهمية منتدى “انسانيات” في إعادة قراءة البحوث والأطروحات المتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية من زوايا مختلفة على مدى خمسة أيام زاخرة بالأنشطة المتنوعة بين العلم والفكر والثقافة وفتح المجال لمقاربات الباحثين والجامعيين والأكاديميين مشددا على إيمان جامعة المنار بأهمية العلوم الإنسانية في إنتاج المعرفة وتنمية ملكات التفكير وحرصها على ادماج العلوم الإنسانية كمّادة قارة في مسالك التكوين في كلية الطب في تونس مع السعي لإدماجها في عدد من الاختصاصات العلمية بالجامعة
خاصة في ظل التحديات، التي تعيشها مجتمعاتنا بعد الثورة وجائحة كورونا بكل تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية وذلك عبر تسليط الضوء على الأسئلة الجوهرية في علاقة الانسان بذاته ومحيطه ومناقشة قضايا محورية متعلقة بمناهج البحث ومدى قدراتها على خدمة القضايا الإنسانية.
أمّا الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية بجامعة باريس دوفين ورئيس لجنة البرمجة في منتدى “إنسانيات” شكري حمد فعبّر عن فخره بتفاعل الجامعيين والباحثين والطلبة مع مضامين الدورة التأسيسية لـ”انسانيات”، التي تراهن على مجال طالما تعرض للتهديدات السياسية والحكومية ومن قطاع الخاص وشهد تحديات ونتاج ثري وهام على مستوى المقاربات والأطروحات كما الآفاق الواعدة مقرا في ذات السياق بأن خلق صلات ودعم الباحثين والطلبة من الجيل الجديد في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية هي من الأهداف الكبرى لهذا المنتدى الدولي والذي يقترح 700 ساعة من التبادل المعرفي والنقاش والتفاعل على امتداد خمسة أيام من 20 إلى 24 سبتمبر 2022.
وافتتحت الباحثة التونسية الفرنسية المتخصصة في التاريخ المغاربي جوسلين دخلية المحاضرة الافتتاحية لليوم الأول في مداخلة حملت عنوان “في انفساح الطريق: مسار تحرير في العلوم الاجتماعية” وعادت من خلالها جوسلين دخلية إلى مقاربات العلوم الاجتماعية الباحثة في علاقة المغرب الكبير بالغرب وكشفت في جانب منها عن المحطات الكبرى للبحوث والدراسات المتعلقة بالمجتمعات المغاربية ما بعد الاستعمار (المرحلة الكولونيالية) كما تناولت التغيير العميق في هذه المجتمعات في ظل السياقات العلمية الجديدة. ومن بين متغيرات علاقة الجنوب المسلم بالغرب مسألة التعريب والتي ترى جوسلين دخلية أنها لم تكون قرارا سياسيا فحسب فهناك أكاديميين دعموا هذا التوجه
المحاضرة الافتتاحية لليوم الأول التي أدارها الجامعي عماد المليتي كان ضيفها الثاني الأكاديمي حسن رشيق ممثلا عن جامعة حسن الثاني بالدار البيضاء (المغرب) وجاءت مداخلته تحت عنوان “تحديات وموارد العلوم الاجتماعية في المغرب الكبير” وطرح خلالها مسألة محدودية الموارد البشرية والمادية في العلوم الاجتماعية مؤكدا أن التحدي الرئيسي يتمثل في ضعف هيكلة البحث وهيمنة الباحث المنفرد والمنعزل وآثاره السلبية على جودة المنشورات وكذلك على تطوير الأجندة العلمية فيما ربط التحدي الثاني بندرة الدراسات العامة النقدية حول حصيلة الممارسات الأكاديمية وإنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية.
وشدد الجامعي حسن رشيق على ضرورة التفكير بعيدًا عن المشاعر الإيديولوجية والسياسية مقرا بأن الخطر الكبير يكمن في إضفاء طابع إقليمي على العلوم الاجتماعية، بمعنى أن الباحثين يكتفون بالتعامل مع القضايا المحلية بمعجم محلي لا يفهمه إلا الباحثون المحليون.
وفي الجلسة الثانية من اليوم الافتتاحي لمنتدى “إنسانيات” والتي أدارتها الأستاذة مليكة ولباني ناقش خلالها عالم الاجتماع والمؤرخ الجزائري حسن ريمون “استخدام مفهوم الأزمة (الأزمات) في العلوم الإنسانية والاجتماعية” مذكرا بالأصول اليونانية لمصطلح “أزمة ” واستخداماته الحديثة في الاقتصاد والطب والتاريخ وغيرها من المجالات.
وسلط الأكاديمي حسن ريمون الضوء على “هيكل” الأزمة، الذي يكون في معظم الأوقات نتيجة للحركات الاجتماعية مشيرا في ذات السياق إلى المواقف المختلفة للفلاسفة من مفهوم الأزمة.
“القانون في حالاته المتأزمة” كان الموضوع مداخلة الأستاذة سناء بن عاشور حيث ربطت بين “قانون” ما قبل الأزمة و”قانون” ما بعد الأزمة وديناميكيات ما قبل الأزمة وديناميكيات التعديلات كما تناولت الأزمات، التي يمكن أن “تنير” القانون علما وأن كل أزمة تكشف عن “فجوة”، وبالتالي أي غياب في الاحتياجات الاجتماعية بعد حالة من “التردد” فالمسألة هي ترسيخ “مفاهيم” جديدة في القانون في كل مرة فيما يتعلق بهذه الأزمات المتعددة التي تؤثر علينا.
وفي اختتام جلسات اليوم الأول لمنتدى “إنسانيات” قدم الأستاذ هشام الريفي عرضًا لكتاب “استجماع الذاكرة من تاريخ الإنسانيات في الجامعة التونسية” وهو أثر فكري عن تاريخ العلوم الانسانية بتونس شارك في مضامينه عدد من الأكاديميين من بينهم عبد الجبار بسيس، حسين الجعيدي، نور الدين دوقي، رياض بن رجب، سامي بن عامر، سمير مرزوقي، خالد قصير، العربي شويخة، طاهر بن جيزة وغيرهم من الباحثين والجامعيين التونسيين.
سهرة افتتاح منتدى “إنسانيات” كانت فنية بمدينة الثقافة الشاذلي القلیبي أثثها “سلام” حاتم القروي ثم فيلم الجيلاني السعدي “عصيان” وهذا العمل السينمائي الأخير للمخرج التونسي كان قد حصد في سنة 2021 التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية في دورتها الثانية والثلاثين وتوج بالجائزة الكبرى (أفضل فيلم) بمهرجان قابس سينما فن 2022. للتذكير فإن المنتدى الدولي “إنسانيات” من 20 إلى 24 سبتمبر 2022 ينظم ببادرة من جامعات منوبة وتونس وتونس المنار وبالتعاون مع مخابر بحث دولية وعدد من المؤسسات الجامعية والأكاديمية منها معهد البحوث المغاربية المعاصرة، “المجتمع ذو الاهتمام العلمي للشرق الاوسط والعوالم الإسلامية”، “جماعة البحث في الشرق الاوسط والعوالم الإسلامية” وعدد من الجمعيات الأكاديمية.