بقلم: حافظ الغريبي شهران فقط تفصلنا عن أهم وأخطر استفتاء […]
بقلم: حافظ الغريبي
شهران فقط تفصلنا عن أهم وأخطر استفتاء في تاريخ تونس دون أن يعلم أي تونسي فحوى موضوعه..
لن نتحدث عن ظروف إجراء الاستفتاء ولا عن الهيئة المكلفة به ولا عن كيفية تسجيل الناخبين الجدد بقائمات الهيئة المستقلة للانتخابات بل سأتحدث فقط عن هذا “الجنين الغريب” الذي سيحدد مصير التونسيين خلال العقود القادمة والذين يجهلون عنه كل شيء..
فباستثناء ذاك الكلام الوارد على ألسنة البعض ممن يقولون أنهم من مفسري حملة قيس سعيد والذين يتحدث بعضهم عن نظام رئاسي والبعض الآخر عن نظام قاعدي وسحب الثقة من نواب الشعب فإن التونسيين يجهلون كل شيء عن مشروع الدستور القادم وعما تخفيه الجمهورية الجديدة لهم.
فهم والحال تلك كممتحني البكالوريا الذين يجهلون موضوع الامتحان ولا يعرفون عن نصه شيئا بل ولا يفقهون في أمره شيئا..
وهم كممتحني الباكالوريا أمامهم أيام قليلة للمراجعة لا تتجاوز الأسبوعين في أفضل الحالات للإعداد ليوم الامتحان، وهم أيضا مطالبون بالاحتفال بالمناسبات العائلية بدءا بالنجاحات المدرسية وانتهاء بالأعراس، وهم في نفس الوقت مطالبون كذلك بالاستجمام في البحر وبالاستيقاظ باكرا للعمل وفق نظام الحصة الواحدة ومطالبون بتمضية قيلولة هادئة ثم الفرار من جحيم البيت إلى حيث الهواء الطلق.. وهم في الآن نفسه مطالبون بتحديد مصير البلاد ومعه مصير العباد بالمثول يوم 25 جويلية بمراكز الامتحان عفوا مراكز الاقتراع.
وإذا ما تحوّل النجباء منهم إلى مراكز الاقتراع فانهم سيعيشون على وقع ضغط الممتحن في الباكالوريا وعلى وقع ضغط انتظار النتائج اذ هناك من سيسعد لغلبة “نعم” وهناك منهم من سيسعد لتفوّق “لا”. لذلك ستجدهم يعيشون نفس ما يعيشه الممتحن في البكالوريا من ضغط وانتظار النتائج وصدمتها.
لقد عاشت تونس في مناسبة سابقة استفتاء على تعديل الدستور تم الترويج له لأكثر من سنة بحملات تفسيرية وملفات ولقاءات وحوارات وتصويت أول وثان عليه في مجلس النواب ولولا تدخل كل السلط وحرص بن علي الشخصي واشراف وزارة الداخلية لما أمكن له تحقيق ما برمج له الحاكم بأمره آنذاك..
أما اليوم والحال على ما هي عليه من انقسام ومن غموض وجهل لما ستتضمنه مفاجآت ستتضمنها ورقة الامتحان فإن حالنا لا يختلف في شيء عن حال ابن القارح في رسالة الغفران للمعري بعد أن أضاع صك الغفران وتعلّق بركاب سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى بلغ الصراط، وأشير إليه بأن اعْبرْهُ، فلما وجد نفسه لا يستمسك قالت الزهراء لجارية من جواريها يا فلانة أجيزيه. فجعلت هذه تمارسه وهو يتساقط عن يمين وشمال، فقال لها: يا هذه إن أردت سلامتي فاستعملي معي قول القائل: ست إن أعياك أمري … فاحمليني زقفونه
فقالت: وما زقفونه؟!
فقال أن يطرح الإنسان يديه على كتف الآخر ويمسك بيديه ويحمله وبطنه إلى ظهره، أما سمعت بقول الجلجلول من أهل (كفر طاب) صلحت حالتي إلى الخلف حتى … صرت أمشي إلى الورى زقفونه
فقالت: ما سمعت بزقفونه، ولا الجلجول، ولا كفر طاب إلا الساعة!!!
ثم تحمله وتمر به كالبرق الخاطف حتى يبلغ الجنة، فيمنعه رضوان طالبا منه جواز المرور، فيطلب ابن القارح ورقة من صفصاف الجنة ليرجع بها إلى الموقف، ويأخذ عليها الجواز، ولكن رضوان يأبى عليه هذا، فيقول ابن القارح: إنا لله وأنا إليه راجعون، لو أن للأمير أبي المرجي خازنا مثلك، ما وصلت أنا ولا غيري إلى قرقوف من خزانته.
أما الفرق بيننا وبين ابن القارح فهو أنّ صراطنا يمرّ عبر صندوق النقد الدولي وأن فاطمة الزهراء لن تطلب من جاريتها أن تجيزنا لأن فاطمة الزهراء لا يعجبها تمشي سيدنا وخاصة لأن التونسيين يترفعون عن حملهم زقفونة حتى وإن كان من أجل مصلحتهم.
حافظ الغريبي