أصدرت نقابة القضاة التونسيين بيانا يستنكر الحملات الموجهة ضد القضاة […]
أصدرت نقابة القضاة التونسيين بيانا يستنكر الحملات الموجهة ضد القضاة جا فيه :
“إن نقابة القضاة التونسيين على إثر تواتر حملات التشكيك ضد القضاة ومحاولة الضغط عليهم وتشويههم ضربا لاُستقلاليتهم سواء من خلال توجيه إتهامات لبعضهم على وسائل التواصل الإجتماعي أو بالنيل من معطياتهم الشخصية أو بإدعاء أمور تنال من مصداقيتهم ومن مصداقية واستقلال القضاء ، وتبعا لما يتم تداوله حتى إعلاميا من إتهامات للقضاء بعدم الحياد وعدم الإحتكام للقانون خدمة لتوجهات سياسية معينة فيما اُصطلح على تسميته بقضايا الرأي العام يهم النقابة أن تبين ما يلي :
1-تؤكد نقابة القضاة أن حرية الرأي والتعبير هي من الحريات الأساسية وأن تعبير القاضي عن آرائه المتعلقة بالشأن الوطني لا يمكن بأية حال إحتسابه إنتماء حزبيا أو تعارضا مع مهامه الوظيفية والقضائية ، فالدستور التونسي أقر هذا الحق صلب الفصل 31 منه الذي نص على أن ” حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ” وهو ما إقتضته أيضا المواثيق الدولية ذات الصلة والمبادئ الشاملة المتعلقة باُستقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة فالبند 6-4 من مبادئ بنغالور للسلوك القضائي نص على أنه ” يحق للقاضي كأي مواطن آخر حرية الرأي والتعبير والعقيدة والإرتباط والتجمع ولكن يتعين عليه دائما عند ممارسة تلك الحقوق أن يتصرف بشكل يحافظ فيه على هيبة المنصب القضائي وحياد السلطة القضائية واُستقلالها.”
وعليه لا يمكن إنكار الحق المتقدّم على القضاة ومحاولة تكميم أفواههم وعزلهم عن الشأن الوطني البحت بالتشهير بهم وضربهم خدمة لمصالح ضيقة مهما كان شكلها ومردّها أو تصفية لحسابات سياسية القضاء بمنأى عنها ، مع التأكيد على أن المجلس الاعلى للقضاء أو الجهات القضائية المعنية ممثلة في التفقدية العامة بوزارة العدل هما الجهتان المخول لهما تلقي أية شكايات أو مآخذ ضد القضاة فلا مجال للتشويه والتشهير ونسبة إتهامات على غاية من الخطورة لا تنال فقط شخص القاضي بل تعصف بمصداقية واستقلال سلطة قضائية بأكملها .
وتشدّد النقابة أنها لن تسمح بمثل هذه التجاوزات الجسيمة ، فالقاضي ليس حلاّ عن المساءلة لكن وفقا لما اٌقتضاه القانون فلا مجال لممارسات التشهير والضغط والتشويه التي لا تنال فحسب إعتبار القضاة وكرامتهم بل أيضا حق المواطن التونسي في أن يكون قاضيه الطبيعي بمعزل عن حملات الضغط والهرسلة لغايات لا علاقة لها بالحق والمصلحة الوطنية.
2- تستنكر النقابة الضغط الواقع على القضاة بمناسبة نظرهم في قضايا اُصطلح بتسميتها قضايا الرأي العام وتؤكد في هذا الخصوص أننا في دولة قانون ومؤسسات وأن الفيصل والمرجع هو القانون فحسب.
فالمصطلح المذكور يتعارض بشدّة مع مبدأ إستقلال القضاء ضرورة أن الفصل في الملفات والبت في القضايا مهما كان نوعها أو أطرافها لا يكون إلا وفق القواعد القانونية لا طبقا للأهواء والمصالح والرغبات.
فالرأي العام هو إتجاهات وأفكار مسبقة وتخمينات و وجهات نظر مطروحة إعلاميا تتعلق بمسائل وقضايا إقتصادية وسياسية وإجتماعية وإعلامية وثقافية وهو من هذا المنظور ليس بالضرورة منصف وصائب باُعتبار أنه يتأثر سلبا أو إيجابا بعوامل سياسية وإقتصادية واجتماعية ، على خلاف القرار القضائي الذي لا ينطق بالهوى ووفقا للرغبات بل طبقا لقواعد القانون والعدل ووفقا للضمير والحق.
وعليه تؤكد نقابة القضاة التونسيين أن وجود قضايا لا قضايا رأي عام ، لأن هذا القول يحيل بأن الأحكام ستنطق بالهوى ووفق التوجه العام السائد ، بل قضايا وجدت صدى لدى الرأي العام لا يعني الضغط على الهيئات الحكمية سلبا أو إيجابا أو التشكيك في قراراتهم بصفة مسبقة أو التدخل في سير أعمالهم من أية جهة كانت في خرق واضح للمبدأ الدستوري الذي نص على كون القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
وتشدد النقابة على أن كل المواطنين التونسيين سواء أمام القانون وأنه بغض النظر عن صفاتهم وأسمائهم لهم نفس الضمانات والحقوق وأن الحكم القضائي يتأسس بناء على ما له أصل ثابت في أوراق الملف لا بناء على تخمينات أو إتهامات معلنة أو ضمنية تنال من حياد الهيئة الحكمية وإستقلالية أعضائها وتبقى الطعون مكفولة والتشكي للجهات القضائية مكفول ومتاح للجميع.
كما تحذر النقابة من أن الضغط على القضاة ورميهم بالتهم ونسبة إدعاءات لهم ومحاولة التدخل في سير القضايا المعروضة عليهم لا يضرب فقط استقلال القضاء بل ينال أيضا من حق المتهم أيّا كان في محاكمة عادلة وحق المواطن التونسي عامة في قضاء مستقل أحكامه لا تتخذ على المقاس ولا وفق الرغبات والمصالح السياسية.
وتدعو نقابة القضاة إلى النأي عن ممارسات ضرب مصداقية القضاء والتشكيك في القضاة لأن في ذلك إهدار لحق المواطن في قضاء قوي ومحايد لا ينطق إلا وفق القانون كما تجدد الدعوة بالنأي بالقضاء عن الخلافات والتجاذابات السياسية .
فمناعة إستقلال القضاء تؤتى من عدم خضوع القاضي لسعي أية جهة كانت قضائية أو سياسية أو إعلامية في إملاء الحكم عليه سلبا أو إيجابا وفي عدم تعرضه لأية تدخل أو هرسلة أو ضغط ترغيبا أو ترهيبا.”