ثقافة: أضاء الفنان الكبير لطفي بوشناق السهرة الافتتاحية للدورة 58 لمهرجان قرطاج الدولي بعرض حمل عنوان "عايش لغناياتي"
في ليلة استثنائية من الموسيقى والإبداع الفني، أضاء الفنان لطفي بوشناق السهرة الافتتاحية للدورة 58 لمهرجان قرطاج الدولي بعرض حمل عنوان “عايش لغناياتي” من إخراج نجله عبد الحميد بوشناق، وقد أراده هذا الفنان تتويجا لمسيرة نصف قرن من العطاء الفني الغزير أهّله ليكون واحدا من أهم الأصوات في العالم العربي.
وكما كان متوقعا بعد نفاد جميع تذاكر هذا الحفل، أقبل الجمهور منذ ساعات المساء الأولى وأخذ مكانه على مدرجات المسرح مترقّبا بشغف وشوق كبيريْن عرضا فنيا متكاملا يجمع الموسيقى والغناء بالكوريغرافيا وزادته العناصر السينوغرافية أبعادا جمالية وبصرية.
وسجل حفل افتتاح هذه الدورة حضور المنصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمكلف بتسيير وزارة الشؤون الثقافية، والذي تولى بالمناسبة تدشين معرض للصور الفوتوغرافية يوثق لستة عقود من تأسيس المهرجان (1964 – 2024) وأهم الأعلام الفنية التي تناوبت على اعتلاء هذا المسرح الذي كان له الفضل في نحت مسيرة عديد الفنانين من تونس والعالم العربي.
بعد مقطع موسيقي افتتاحي للأركستر السيمفوني التونسي بقيادة المايسترو فادي بن عثمان، تابع الجمهور شريطا وثائقيا قصيرا عن بدايات لطفي بوشناق، فهذا الرجل من مواليد 18 جانفي سنة 1954، أظهر شغفا بالغناء والعزف منذ طفولته رغم ما لقيَه من معارضة من والده، كما أبرز الشريط أهم المحافل والتظاهرات التي أحياها بوشناق والتي أقيمت أمام شبابيك مغلقة فأثبتت أنه قامة فنية وأحد أهم الأصوات في العالم العربي، وقدم طوال مسيرته إسهامات كبيرة في مجال الموسيقى والغناء.
أطلّ بوشناق على جمهوره بصوته القوي وحضوره الركحي الباهر ليتقدّم المجموعة الموسيقية ويمتّع الحاضرين بمهاراته الفنية الاستثنائية في العزف على العود، مقدماً تجربة فنية لا تُنسى عزفا وغناءً.
لاحقاً، انتقل بوشناق إلى تقديم قطع فنية أصلية من إنتاجه الخاص، حيث تألق في اختيار مجموعة من الأعمال تجسّد رؤيته الفنية الفريدة وتجربته الشخصية في عالم الموسيقى. واستهلّ الحفل بأغنية “يا شاغلة بالي” وهي من ألحان شحرور الخضراء علي الرياحي، والتي تعبّر عن العاطفة والحنين، وكان أداها في سبعينات القرن الماضي. ثم غنى رفقة معجبيه “أحنا الجود” و”ريتك ما نعرف وين” و”نساية” و”انت شمسي”. وأدى رفقة الفنانة اللبنانية مشلين خليفة “العين الي ما تشوفكشي”.
واستمرت الاحتفالات والأغاني لما يناهز الثلاث ساعات، وسط تفاعل واسع من الجمهور الذي لم يكف عن التصفيق والتشجيع طوال العرض مع كل نغمة وكلمة، معبرين عن إعجابهم بتجسيد بوشناق لروح الفن والتراث التونسي بكل عمق وصدق. وتصاعد إيقاع العرض مع أغاني “مي مي” و”هاذي غناية ليهم” و”حلق الواد” و”يا ليام كفاية” (جينيريك مسلسل وردة) و”أنا مية” و”كيف شبحت خيالك” وغيرها من الأغاني التي تركت انطباعًا قويًا لدى الجمهور وأكدت مكانته كفنان مبدع ومتميز في المشهد الفني العربي.
واختار لطفي بوشناق إنهاء سهرته البهيجة بأغنية “يا نوار اللوز” و”انزاد النبي” وهي من الأغاني التي جمعت بين الجمالية الفنية والمضامين العميقة التي تعبر عن الوعي الوطني والانتماء للثقافة التونسية، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من مسيرة بوشناق كفنان يمزج بين الإبداع والأصالة.
وقال لطفي بوشناق في الندوة الصحفية التي تلت الحفل إنه حرص على أن يكون عرضه متنوعا يجمع بين أغانيه القديمة والجديدة ويراوح بين أنماط مختلفة كالطرب والابتهالات والفن الشعبي وغيرها.
وعبّر عن حسرته لعدم تمكن عدد من أهالي غزة من متابعة العرض بسبب انقطاع شبكة الأنترنت. ووصف ما يحدث هناك بأنها إبادة في حق الفلسطينيين وأعظم الجرائم التي ترتكب في تاريخ الإنسانية.
ومع انطلاقة قوية كهذه، يترقب الحضور باهتمام باقي فعاليات المهرجان وما يحمله من مفاجآت فنية وثقافية تستحق الانتظار ومتعة المتابعة.