ثقافة: تحت شعار "المسرح و مقاومة والفن حياة" تُنظم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024.
تونس الآن
في عالم يتسم بالتقلب وفي ظل الصراعات والحروب وغمرة انشغال العالم بالعدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023 واتساع هذا العدوان على لبنان في النصف الثاني من هذا العام، وتحت شعار “المسرح و مقاومة والفن حياة” تُنظم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024 وتُسجل 125 عرضا مسرحيا من 32 بلدا من مختلف القارات.
إن نظرة في شعار الدورة تكشف لنا دلالتين الأولى فنية والثانية سياسية بيد أن الحيلة اللغوية المستخدمة في الجملة جعلت القراءات تتعدد وتختلف.
أول ما تقع عليه عين القارئ واللافت للانتباه التركيب النحوي لجملة الشعار، اذ ينطوي على دلالة ذات معان متعددة أو مفارقة في عالم بات يتسم بالازدواجية والتذبذب، ووجود هذا التركيب اللغوي في الجملة ليس اعتباطيا بل يحمل قدرا كبيرا من الدلالات والإيحاءات.
إن المسرح محدّد ومقصود دون غيره ومعرّف بالألف واللام وهي من وسائل الوضوح اللغوي الذي يزيل الإبهام بدخوله على الاسم النكرة.
ومسرح صرفيا هو اسم مكان أيضا، المكان الذي يحدث فيه خروج الفنان عن أصل حاله في الواقع ودخوله في أصل حالة شخصية يعايشها فكرا وصوتا وحركة وشعورا.
وللمسرح هنا كما هو معلوم، أنواع كثيرة منها المسرح السياسي والاجتماعي والذهني والرمزي..
وهو في المحصّلة فن الفرجة المتكاملة يبدأ بالأدب أشكالا تعبيرية لغوية يغذيها الشعر مرورا بالرقص حركة والموسيقى نغما والرسوم والديكور شكلا ثم الكائن الحي ممثلا مبدعا فوق خشبة المسرح وهو يمارس شكلا من أشكال الحياة مشبعا رغباته الحسية والفكرية وصولا إلي ما بعد العروض الفرجوية من الانفعالات والتفاعلات.
أما عبارة الفن حياة فهي جملة اسمية بسيطة جاءت معرفة بالألف واللام مما أزال عنها الإبهام و الغموض.
والفن كما يدرك الجميع مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية للتعبير عن الأفكار والمشاعر عبر وسيط حسي اذ تختلف الوسائط التعبيرية من فنان الي آخر ومن مبدع الي آخر.وارتباط الفن بالحياة في سياق هذا الشعار تثمين لما يحمله الفن من قيم انسانية عالية وأهمية بالغة في المجتمع فلا حياة دون فن بل هو جوهر الحياة نفسه وأساسه البشري وهو مجال الحرية الفردية فيكون الخلق والإبداع وهذا هو التعبير الأسمى للمقاومة ورفض الواقع والسعي نحو التغيير.
وما بين كلمة “المسرح” و عبارة “الفن حياة” وردت لفظة “مقاومة” تتوسط جملة الشعار نكرة مبهمة دون تعريف بالألف واللام كما تعودنا ” المسرح والمقاومة والفن حياة”
هذا التركيب النحوي الذي تعودناه و ظنناه الوحيد السليم نحويا ولكن للغة وجوه وان غابت عنا تظل سليمة رغم عدم تعودنا عليها ولعل تنكير المقاومة يجعل اللفظة تمس كل أنواع النضال ضد المستعمر البغيض فإذا عرفناها قد نشير إلي نظام معين في الحرب الحالية فلتنكير أهداف و غايات .
وعدم تقيد المصطلح باليومي و المتعود والعرف اللغوي يؤكد شساعة تأويلات “مقاومة”
كالممانعة وعدم الرضوخ للقوى المفروضة من الخارج وكل ذلك نتاج حذف أداة التعريف لتركها حرة غير مقيدة شكلا و مضمونا بل لتجعلها أكثر شمولية فلا تحد بفكرة أو باتجاه معين أو بعقيدة سياسية مخصوصة.
ومقاومة كلمة واحدة بمثابة مشهد مسرحي واع يبرز المفارقة بين حالة الانفصال والتعتيم والاتصال والتعريف فهي في الظاهر انفصال لغوي وفي الباطن انفصال عن الواقع بل هي دعوة وحث على اتصال واقعنا الفني بالواقع الذي تعيشه غزّة وفلسطين ولبنان.
وبالعودة لنفس التركيب المسقط للكلمة داخل الجملة نجد هناك دلالة أخرى وهي الدمار لتتجلى بوضوح في مفهومها الانساني الشامل كحق مشروع قائم منذ الأزل شرط البقاء وصراع الحياة ضد الفناء ومن هنا تتأكد ضرورة الفن المسرحي في المقاومة،مقاومة كل أشكال اللاإنسانيكما قال توفيق الحكيم عن المسرح.
” المسرح جوهره قضية ومشكلةوليس حكاية ولا مجرد عرض.والكاتب المسرحي يبدأ من القضية الي الحياة بعكس القصاص ” والمقاومة كما أشرنا سابقا فعل حياة كي لا ننسى ان الشعوب رغم معاناتها الطويلة لم يخلد تاريخها الفني الا بالإصرار ومقاومة كل أشكال الابادة الجماعية كما هو حاصل اليوم للشعبين الفلسطيني واللبناني وكل شعوب العالم المضطهدة.
هو أبو الفنون وأعرقها بوصلة ونبراس الفنان أين ما كان يعود تاريخه إلي آلاف السنين تطور وتدرج مع حضارات الشعوب عبر الأزمنة المتراكمة وقد ارتبط منذ نشأته في اليونان بمشاغل الانسان وصراعاته مع قوى الطبيعة التي صعب عليه فهمها وتفسيرها والتحكمفيها وعليه فهو فن جماعي بامتياز وقد وفّق القائمون على الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية في تقديرنا في اختيار شعار دورة هذا العام والأمل ألا تكون الدورة مجرد رقم ولكن مقاومة وفن حياة.
بثينة الصالحي