تونس الآن تذكرت للتوّ شريطا رائعا يحمل عنوان “الرقص مع […]
تونس الآن
تذكرت للتوّ شريطا رائعا يحمل عنوان “الرقص مع الذئاب” أبدع الممثل الأمريكي كيفن كوستنر في إخراجه وتقمّص الشخصية الرئيسية فيه.
حين تجد نفسك وحيدا في الصف الأمامي، تواجه عدوّا مجهولا، ولا تجد إلاّ الذئاب من حولك لتحقّق معها ذاتك الجمعيّة… حين تنتهي في الأخير كائنا مختلفا عمّا كنته… حينها تتيقّن أنّ الوضع الاستثنائي يصبح بالضرورة وضعا عاديّا.
كورونا ليس فيروسا فقط… هو أيضا مضادّ لفيروسات أخرى تعدّ بالمئات وتعيش فينا منذ دهور أذكر منها فيروس التواكل، وفيروس الكسل، وفيروس الأنانية والانتهازية (وهو شديد المراس)، وفيروس الجهل بحقوق المجموعة على الفرد… القائمة طويلة جدّا.
كنّا نرقص دوما مع هذه الفيروسات ولا نهتمّ لما تفرزه ولا نحصي ضحاياها لفرط انشغالنا بأنفسنا عمّن حولنا… “وينو فلان؟… الله أكبر… باش مات؟” في أغلب الأحوال، لا نعي ما يعنيه الموت للآخر ولأهله لأنّنا لم نمت نحن. وبعد ساعة أو يوم أو شهر أو سنة ننسى من مات من معارفنا وحتّى أقرب الناس إلينا… النسيان نعمة.
لكنّ الفيروسات التي تخترق إنسانيتنا لا أحد يحاربها عادة، وقدوم كورونا كشفنا أمام أنفسنا وفضح فرديّتنا… وخوفا من الفيروس الجديد استعدنا تكافلنا والتفت إلينا الموكول إليهم أرنا… أكاد أراهن أنّني لو صمت يوما أو يومين لانكشف أمري ولهجمت عليّ الجمعيات والجماعات عارضين عليّ خبزا وحشيشا وقمرا كما قال المنصف المزغني يوما. سيظنّون ـ وبعض الظنّ كرم ـ أنّي لا أملك مالا وسترى رئيس الفرع البنكي الذي يخنق حسابي الجاري يجري ويجري ويجري ليملأ حِجري بحزم من “الخضرلاف” متمنيا لي حجرا صحّيا رائقا.
وكم سبحت ـ قبل قدوم الفيروس المحترم في بحر المعاقبين بركوب الحافلة صباحا مساء وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد. أمّا اليوم فإنّ الحافلات تبكي فقدانها أطنانا مطنّنة من النساء والرجال المتلاصقين، والشوارع تموت شوقا لما كان يلقى فيها من خيرات عميمة لا يقدر على جمعها آلاف عمّال التنظيف.
صديقي الفيروس الجديد…
أكرهك وأحبّ ما فعلته بنا وما كشفته من أعوارنا، وأدعوك لقسطرة مجاري الدم المتخثر الصدئ الذي راكمناه باسم المدنيّة قبل العطلة الإلزامية التي ركنت إليها ماكينة النماء، أدعوك إلى مشاركتي رقصة في انتظار أن نفكّر في إجراء صيانة شاملة.
ناصح