حين أوضحت نصاف بن علية المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض […]
حين أوضحت نصاف بن علية المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدّة، ما جاء في تصريح وزير الصحة حول السباحة في البحر في الوقت الحالي، خاصة و أن الحجر الصحي العام متواصل على عموم المواطنين ما عدا المرخّص لهم للعمل أو الحاجيات الأكيدة، فقد كانت فعلا اختارت الزاوية الأصعب للجمع بين واجب الوزارة في تنبيه المواطن إلى ما يساعد على المضي في الخيارات الكبرى لخطة التوقي من الفيروس، وبين حق الجميع في الاستمتاع بالبحر خلال الصائفة.
الدقة والصعوبة ثابتتان لأنّ الأصل هو عدم مناقشة مبدأ كفالة الحرّيات الشخصية للجميع، وكذلك كفالة حقهم في صحة عامة وأساسية. لكنّ السؤال الذي يبقى يتردّد في كلّ حين حتّى يأتي ما يخالف: ألسنا في حالة حجر صحّي شامل باستثناء الفئات المرخص لها الخروج لأداء واجبات مهنية محدّدة جغرافيا وزمنيّا، ومقنّنة بتصاريح وبشروط في التنقل والتوقي أشخاصا وجماعات بما لا يسمح بكسر الحصار الذي ضربته الدولة على الوباء في مواقع العمل ووسائل النقل وفي الشارع؟
هل نسينا أنّ بعض الانفراج الإحصائيّ في الوضع الصحّي العام لا يعني التخلص من الوباء، وأنّ جهود التوقي مازالت واجبة وسارية، فإذا بعضنا بدأ يفكر من تلقاء نفسه وتبعا لأهوائه، ومنّا من يرى أنّ التضييق على الحرّية الشخصية في معناها المفروض بسبب حالة الوباء واستراتيجية التصدّي له يعتبر تعسّفا، وإذا سمع عن حصول حالة عدوى هنا أو هناك يطلق عقيرته بالانتقاد والاتهام بالتقصير.
مسألة أخرى عقّدت الوضع وهي تلك الطفرة السياسوية المتسارعة التي بدأت تحوّل الأنظار عن الواقع وتستبدلها بحالة تفرّغ للفعل الحزبي وإفراز لتصريحات وتفاعلات وأفعال وردود أفعال أسبه ما يكون بالحملات الانتخابية بدل تكريس الجهود، كلّ الجهود، لدرء انعكاسات الوباء. لقد عادوا لما جبلوا عليه من تناطح وتجاذب حول قشور العمل السياسي، ونسوا أنّ الأصل هو التنافس في إضافة فكرة أو اقتراح يساعد الحكومة على التخلص من انعكاسات كارثة تدفع الجمبع نحو المجهول… نحو الإفلاس الاقتصادي والسياسي… نحو ما يتمنّاه المتربصون بنا من أسوإ ما نتصوّر من مصائر ومآلات.
هل أخطأ الآلاف من الأطباء والأمنيين والعسكريين حين ضمنوا لبلادنا الخروج من مرحلة الخطر وأهدوا لهؤلاء الذين سحبوا البساط من تحت لإقدامهم على مدى شهرين ونصف الشهر، ممّا جعل عودتهم للمهاترة أشري؟
الجنديّ لا يقطف الزهور وهو يزحف نحو العدوّ… ربّما لا يتعمّد سحق الزهرة تحت قدميه، لكنّه يستنشق عطر النجاح في مهامّه المقدّسة. وحين ينتهي كلّ شيء يكون بإمكانه العودة ليتمتع بكلّ زهرة سعى ليجنبها المصير المجهول… كذلك الفعل الديمقراطيّ لا يحتمل المتاجرة به.
ناجي العباسي