صرفت من العمر 20 سنة أدرس ودفعت من أجل ذلك […]
صرفت من العمر 20 سنة أدرس ودفعت من أجل ذلك طفولة وشبابا جاثما على مقعد خشبيّ يأكل السراويل أكلا بلا رحمة، وكانا والداي رحمة الله عليهما ينتظران حلول يوم أنضج فيهما كما تنضج عروق شجرة الجوز بعد عقود من الزمن ليقتلعها صاحبها بعد طول صبر، وهكذا تقشّر عروق الشجرة وتباع القشور بأرفع الأثمان لأنّها هي السواك الحارّ… هذه هي القصّة الحزينة لشجرة الجوز إن كنتم لا تعرفون.
كبرنا واشتغلنا ومازلنا نسعى لنكون تلك العروق… نأكل أيامنا “سلاطة” لنكتسب لدى من يأتي بعدنا حظّا. لكنّني اليوم لم أنزل إلى سوق الحيّ لشراء السواك، بل هي شهوة صائم انقطع عن تصوّفه وخرج من مغارة الحجر لسبب واحد: العودة سريعا إلى المغارة وقد ملأ القفة القابسية التي بيمينه خضرا ممّا تغدق به علينا هذه الأرض الطيبة وما يسمح بوصوله إلينا وسطاء سوق الجملة والسوق التي بعدها، فالتي بعدها حتّى تصل أخيرا إلى عمّ سليمان الخضّار ومنه إلى أحبابه الحرفاء.
دخلت المحلّ مخاتلا خائفا أن يعترضني الفيروس النذل في “قطّة معدنوس” أو ما شابه، وجمعت بسرعة ورشاقة حاجتي ووقفت منضبطا أنتظر دوري لدفع مقابل ما أخذت، وحين حان دوري ضرب عمّ سليمان أخماسه في أسداسه ونظر إليّ مبتسما: “12 دينارا و640 مليما ولدي”… عندها ابتسمت بدوري وراجعته: ” خذيت 5 كعيبات طماطم وحارتين فلفل و4 باذنجان وشوية خيار”…
وبدم بارد ـ هذه المرّة وبلا ابتسامة ـ عاد عمّ سليمان مؤكدا: “هذا هو حسابك… الطماطم والفلفل على 3 دينارات والخيار أغلى شويّة والباذنجان مازال فال”.
يا ناس من ينجدني برقم المراقبة الاقتصادية أو برقم العميد شوقي الطبيب شخصيّا… أنا سأبلغ عن الفساد… سأقلب الدنيا على رأس من أهانني… لا أحد بإمكانه أن”يعفس على رقبتي” بسبب شهوة صائم… سأتصل بمجلس الأمن وبالاتحاد الأوروبي وبـ”فصايل الحومة” ليأخذوا بثأري.
عدت إلى البيت دون أن أحسب عدد خطواتي كما كنت دوما أفعل حين أعود من غزوة منهزما. لكنّي عدت باللوم على نفسي، فكيف يعقل أن أفوز بسلاطة بالاعتماد على استثمارات ذاتية؟ الأمر يتطلب دراسة فنّية و”تكمبيس” وكل آليات المراقبة والشفافية لا تنفع… يلزمني بكل بساطة شريك “صحيح” لّإنهاء مشروع السلاطة التونسية، وسلاطة مشوية إن أمكن ادّخار بعض المواد الأولية ولو لزم الأمر بعض الغش كـن أقطّع في السلاطة الخضراء كلافس وصلق.
ناجي العباسي