أرى.. – وليس فيما يرى النائم – انّ العرب تاهوا […]
أرى.. – وليس فيما يرى النائم – انّ العرب تاهوا بعيدا عن الاخذ او حتى الاقتراب او مجاراة حضارة اليوم..والحضارات التي سوف تليها..وحتى النهاية..
فالموانع والستائر والعوائق وما شئت من المكبّلات صارت بلا حساب..منها الموروث وفيها المبثوث فينا…والمخلوق في جيناتنا وعقولنا اصلا..
نحن نولد ، لا في اناء الموز ، كما يقول محمود درويش ، بل بين أيدي قابلة خائفة مذعورة ، وفي قصعة من الخرافات والتعاويذ.. المضحكة
يعني..نولد في حضرة الرعب ، وفي كنف اوجاع الام..
لنا سلطة النصوص ، وسلطة الاب والجد والعشيرة ، ووصايا خذ كلامي..ولا تتكلم او تفكر .. واتبع خطاي.. واسمع نصيحتي..وسلطة الفقر والجوع. والمرض والجهل والياس من كل شيء
وسلطة المقدس ، وعدم التفكير والاجتهاد حتى في طريقة ارتداء ملابسنا.. وسلطة التواكل والهزيمة..واصرف ما في الجيب باتيك ما في الغيب..
واذا قمتَ بعملية حسابية بسيطة ، وكم يلزمك من وقت وعمر للتخلص من كل سلطة… هذا في صورة العزم والحزم… تجد انه لا بد من الانتظار اجيالا واجيالا قادمة اخرى..
هذا اذا افترضنا..ان العالم باسره سوف ينام اكثر من نومة أهل الكهف ،و يتوقف عن الحركة والدوران وقت شدّ هممنا وتحركنا نحن العرب الى غاية اللحاق بركب الحضارة. وهي ايضا استحالة مطلقة..كاستحالة زراعة الملح وانتظار بزوغ نواره..
صار العرب يتسولون كل شيء ، حتى الاحلام الجميلة لم تعد تزورهم..
صار العرب مثل الاسماك.. في بُحَيرة تجفّ..
صار العرب ، وبكلام اقل ، مثل الكرة من قدم .. الى صدر ، الى رأس ، الى متناول كل اللاعبين..والاعشاب والاخشاب..
حتى الوقت بدل الضائع لن يكفيهم استرداد الحيلة والانفاس.
لماذا نكذب على انفسنا ، والسفينة مثقوبة من كل الجهات..ولا حتى برزخ او صخرة تطل في زبد الامواج المتلاطمة من حولنا كالجبال..؟
– تخيّلوا..لو يقطع الغرب الكافر عنا امدادنا بما نحتاجه من دواء وغذاء فقط.. لصارت كل مدننا وساحاتنا اكداسا من الجِيَف والرولئح الكريهة ..
تصوروا معي..لو منعوا عنّا مدة شهر مثلا قطع غيار الطائرات وأدوات ومستلزمات صيانتها..لعدنا الى مكة على سروج الخيل وهوادج الجِمَال..وكذلك برا وبحرا…ولَاضطررنا من جديد الى حياة العشيرة والاغارة والنهب والسرقة والسلب..نأكل بعضنا البعض كالثعابين..؟!
لماذا نكذب على انفسنا في اليقظة والحلم ،
وسرّا وعلانية..ونحن عاجزون حتى عن صنع إبرة ..
لماذا لا نعترف ان أصغر دولة في الوطن العربي ، والتي لا تعدو ان تكون سوى حارة من عاصمة الصين – بيكين – هي مثقلة بالديون والاهانة لعقود قادمة ، ولأجيال لم تولد بعد ..وان المواطن فيها يظل في الطابور تحت الشمس الحارقة لساعات احيانا من اجل خطف رغيف خبز..وان اللصوص الذين سرقوا وطنه ، لم يتركوا له شيئا في الجيب والقلب او فوق التراب وتحته او حتى في السماء…؟!
كلهم يكذبون علينا ،، هذه الحضارة صارت لا تعنينا ، والسرب الذي من حولنا ، لا يرومنا ولا يقبل بأجنحتنا المَهِيضَة.. وأن الديمقراطية والحرية..وانتخابات نزيهة وشفافة..والبرلمان المتعدد الاتجاهات والظلال والعاهات.. كلها ادوات مسخرة وبريق سرير لمساحيق الفاتنات ان لم يذهب لساني الى دعارة اللفظ واللعنة والشتيمة ..وكلها ايضا خارجة من معامل الغرب لمزيد الضحك علينا ، وتلهيتنا كالاطفال ..بل هي بمثابة العاب المجروح على حد تعبير صديقي الشاعر الرائع ” عزوز الجمني” – يرحمه الله.
– نحن العرب ، لا نعرف حتى كيف نُقبّل امراة.. فكيف نهتدي الى فن صياغة حياتنا وطمانينة اجيالا ومناعتنا وكرامتنا..؟!
– نحن لا نقرا غير كتب الفخر والخمر والجنس والحماسة والمراثي وسفك الدماء والخيانات.. و ملصقات الاغارة والسّبْي والفَيْء ،، حتى وان قرأناها فاننا لا نتجاوزها او نتسلى بها لحينها او نلعنها..بل نضمها الى كل تلك النصوص التي هي سبب اعاقتنا..
لا مناص ، وكما اوعز لنا “عبد الرحمان بن خلدون” .. فان المغلوب..لا بد له ان يتبع الغالب..
نحن العرب يا سادتي ، صرنا كومة قطن بعثرتها الرياح في كل جهات الدنيا..
فلا أحد يلمنا سوى زراعة حقول جديدة اخرى ، وانتظار السيد ” غودو” الذي قد يأتي ، وقد لا يأتي..!
.. العروبة اوجاع..
تذكرت “عبد الرحمان الداخل” ،
وكيف شق النهر سابحا ، وجريحا
وكيف خانته في نهاية الحلم ،
جارية الاندلس ..!
– ما الفرق يا وطن التيه ،
بين ماء مالح ، وماء الينابيع
وكل الأنهار في الرمل ..تضيع..!