جاء في تقرير للجنة الدولية للحقوقيين أن مسار العدالة الانتقالية […]
جاء في تقرير للجنة الدولية للحقوقيين أن مسار العدالة الانتقالية في تونس فشل في ضمان محاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي بحقّ آلاف الناجين.
التقرير، المعنون ‘”تعزيز المساءلة عن طريق الدوائر الجنائية المتخصّصة في تونس” يوثّق عديد العقبات القانونية والعملية التي تعيق تحقيق العدالة لضحايا جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي التي تم ارتكابها بين 1955 و 2013، ضمن “انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة” التي أحالتها هيئة الحقيقة والكرامة إلى الدوائر الجنائية المتخصصة.
الأحكام الجنائية في تونس التي تجرم الاغتصاب و”هتك العرض” لا تتماشى مع القانون الدولي ومبادئه. بالإضافة إلى ذلك، يظهر التقرير كيف يمكن السعي وراء العدالة مؤلما لضحايا جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي والناجين منها، من خلال تعريضهم إلى المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، كوصمة العار الناتجة عن احتكاكهم بنظام العدالة، وحاجتهم لإعادة سرد إفاداتهم بشكل متكرر خلال التحقيق نفسه.
تم تقديم 795 شكوى اغتصاب على الأقل، و 3,274 شكوى عن اعتداءات جنسية أخرى على الأقل، لهيئة الحقيقة والكرامة، إلّا أن الهيئة لم تحل سوى 25 قضية جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي إلى الدوائر الجنائية المتخصصة. يجدر بالذكر أنّ 87% من تلك القضايا الـ 25 شملت ضحايا ذكور، إذ أن الأغلبية العظمى ممن تم احتجازهم كانوا رجالا وصبيانا.وعني ذلك أنه إذا كانت النساء والبنات يتعرضن لخطر أكبر من جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي بشكلٍ عام فإن الرجال والصبيان قد يقعون ضحاياً لها أيضاً.
ويقول سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اللجنة الدولية للحقوقيّين “تقدم الدوائر الجنائية المتخصصة فرصة فريدة من نوعها للناجين من جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي ليكون لهم يومهم في المحكمة، وليحصلوا على العدالة وجبر الضرر لقاء الأذى الذي تعرضوا له”.
ويضيف بن عربية أن “على الدوائر الجنائية المتخصصة معالجة الافلات من العقاب السائد منذ عقود بخصوص جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي في تونس، وضمان تمكن الناجين من هذه الجرائم من لعب دورٍ أساسيّ في هذه الإجراءات، بصفتهم شهودا وضحايا.”
ويقدم التقرير أيضاً قائمة مفصلة بإصلاحات قانونية وسياسية وعملية ينبغي على السلطات التونسية تبنّيها لضمان التزام البلاد التامّ بالقانون الدولي ومبادئه حول التحقيق في جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وملاحقتها قضائياً والفصل فيها، ومنع تكرار تلك الجرائم والإفلات من العقاب لمن ارتكبوها.
ويقول بن عربية أنه يتعين “على السلطات التونسية ضمان الاعتراف والتوصيف اللائق بالاغتصاب والجرائم الجنسية الأخرى – بما يتماشى معحظرها في القانون الدولي-وأن يتم تبني مقاربات وإجراءات تراعي النوع الاجتماعي واتّباعها خلال التحقيق في جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وملاحقتها قضائياً، والفصل فيها” .
وتنصّ توصيات أخرى على أن تضمن تونس ما يلي:
- أن يكفل القانون الجنائي، وقانون الإجراءات الجنائية، وغيرها من القوانين المحلية ذات الصلة، المحاسبة الجنائية لجميع مرتكبي جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وضمان أن يكفل حقّ الضحايا للحصول على انتصاف فعّال لقاء انتهاك حقوقهم الإنسانية خلال إجراءات الدوائر الجنائية المتخصصة؛
- أن تكفل إجراءات الدوائر الجنائية المتخصصة قيام الضحايا الواسع بحقهم الشخصي في جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي؛
- في سياق إجراءات الدوائر الجنائية المتخصصة، أن يتم تأويل القانون المحلي وتطبيقه بالتماشي مع القانون الدولي ومبادئه، ويشتمل ذلك على ضمان اعتبار جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي “جرائم خطيرة” وأن يتم البتّ فيها على هذا الأساس وبدقّة؛
- تبنّي مقاربة ترتكز على الضحايا وتراعي النوع الاجتماعي، واتّباعها في كافة مراحل إجراءات الدوائر الجنائية المتخصصة، ويشمل ذلك الحد من عدد المرات التي يتم فيها مقابلة ضحايا جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وعدد من يقابلهم؛
- أن يحدّ قضاة الدوائر الجنائية المتخصصة ومدّعوها من تعرض الضحايا والشهود لخطر إعادة المرور بالصدمة، بما يتماشى مع القانون الدولي ومبادئه.