بقلم: حافظ الغريبي تفاجأ الجميع -بعد فك طلاسم مرسوم قانون […]
بقلم: حافظ الغريبي
تفاجأ الجميع -بعد فك طلاسم مرسوم قانون المالية التكميلي-بوجود زيادة في عدد موظفي الدولة قّدرت بـ 17 ألف موظف جديد قيل إنها ستكون مخصصة لانتداب من طالت بطالتهم وفق القانون المعروف بعدد 38 لسنة 2020 والذي كانت السلطة الحالية وعدت بتجسيم ما تعهدت به الدولة.
يأتي هذه الانتداب في ظرف تعيش فيه المالية العمومية أسوأ وضع لها منذ الاستقلال وفي ظرف ارتفعت فيه نسبة البطالة من 14 الى 19 بالمائة جراء مراكمة أزمة صحية مع اخرى اقتصادية وثالثة سياسية، كما يأتي في ظرف تغيّر فيه العالم كليا بعد ان عاش أزمة صحية غير مسبوقة جعلته يحدث القفزة النوعية في الاعتماد على الرقمنة والخدمات عن بعد والتي ستيسّر الأمور أكثر بعد دخول الجيل الخامس من الانترنيت.
ورقمنة الإدارة -الذي يعتبر مشروعا كبيرا وقديما- يمكن ان تحوّل وجه تونس من دولة مكبلة بإدارة قرطاسية الى دولة حديثة تفتح آفاقا رحبة لشعبها لخلق الثروة وتقاسمها من خلال توفير سبل أرحب للاستثمار عوض على تقاسم الفقر والمآسي… رقمنة من شانها أن تخلق نمط حكم جديد يقوم على حسن التصرف في الموارد وعلى الحوكمة والحد من الفساد وخاصة تنجح في توفير نصف نفقات الدولة المخصصة للأجور بما يرفّع من حصة الاستثمار الى الضعفين كما تنجح في كسب وقت ثمين كنا نضيعه في التعاطي اليدوي للملفات.
اليوم، في بعض الدول المحدودة الدخل لكن المتقدمة رقميا على غرار استونيا …بإمكان المواطن -دون أن يغادر بيته-أن يكوّن شركة ويحصل على وثائقه خلال 9 دقائق فقط…. وفي مثل هذه الدول يولد المواطن ويكبر ويشتغل ويتقاعد ويموت دون ان يتعامل ولو يوما واحدا مع أي موظف في أي إدارة في الوقت الذي يمضي التونسي يوما كاملا لتسجيل مولود جديد مع إمكانية كبيرة كي يخطئ الموظف في تسجيل إسم المولود، اذا ما “تعطيتش المبروك”
في تونس يقول خبراء الرقمنة ان رقمنة البلاد الكاملة والشاملة هي الحل الوحيد للخروج من ضيق ذات يد تونس.. وأنه على سبيل الحصر يمكن لعدد البلديات أن ينخفض من 350 الى 80 بلدية فقط ولعدد الولايات أن ينخفض من 24 ولاية الى 5 ولايات فقط وينخفض عدد موظفي الدولة من 700 الف الى 100 الف موظف فحسب …. وخاصة وهذا الذي يمكن ان يسعد الكثير يمكن ان ينخفض عدد نواب مجلس الشعب من 217 الى 50 نائب فقط باعتبار تغيّر التقسيم الجغرافي.
لكم أن تتصوروا كم عدد الذين يتنقلون يوميا عشرات الكيلومترات للحصول على وثيقة يمكن ان يستخرجوها من بيوتهم وكم عدد الموظفين الذين يتنقلون الى مقرات عملهم كل يوم لـ”الجلوس في الإدارة” و-كأنهم يتقاضون أجورهم مقابل الحضور لا العمل- وكم يكلّف تنقلهم البلاد من استهلاك طاقة ومن تلوّث… ثم لكم أن تتصوروا كم من بناية إدارية ستصبح شاغرة فتتحوّل الى مرفق صحي أو اجتماعي او ثقافي أو مركز تكوين..
في استونيا على سبيل المثال تبلغ نسبة التعامل بالنقود 12 بالمائة مقابل 73 بالمائة في تونس.. وهذا يعود الفضل فيه لنظام الرقمنة المفروض والذي جعل الشعب يصوّت لمن يمثلوه في البرلمان من بيته لمدة 10 أيام كاملة يمكن خلالها للمواطن أن يغيّر رأيه وفق ما يعاينه من برامج للمرشحين المعروضة على شاشة التلفاز او في الواب دون الحاجة لمن يشتري صوته في النهج الخلفي لمركز الاقتراع ..
تخيلوا مجلس نواب تونسيّ متكوّنا من 50 نابا من الكفاءات ينكبّون على التشريع ومراقبة الحكومة خال من السماسرة ، تخيلوا ما ستجنيه تونس من هذا التحوّل المطلوب والذي بإمكانه أن يتحقق لو توفرت الشجاعة الكافية لإطلاق مشروع الرقمنة الضخم الذي يقدر أن يحوّل تونس الى جنة فقط نحن في حاجة الى رجال وأجدادنا لم يخطئوا عندما قالوا “الرجلة بحر والعوامة قلال”.
حافظ الغريبي