بقلم: نور الدين عاشور بقطع النظر عن النسب المائوية، سواء […]
بقلم: نور الدين عاشور
بقطع النظر عن النسب المائوية، سواء منها الصادرة عن هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل أو الجهات الرسمية بخصوص المشاركة في الإضراب العام بالقطاع العام، يمكن القول إن مثلث التحديات الكبرى الراهنة اكتملت أضلاعه. فبعد أن بات واضحا انفراد اتحاد الشغل بمكانة القوة الوحيدة المنظمة والقادرة نظريا على التأثير وإحداث التوازن المفقود في مواجهة السلطة الحالية على جبهتي المسارين الاجتماعي والسياسي، أصبحت السلطة معنية بالتحرك ضمن مثلث يمثل كل ضلع فيه أزمة كبيرة، فالاستفتاء على الدستور الجديد في 25 جويلية تجربة لا يمكن التكهن بنتائجها، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي أصبحت “هيتشكوكية” وتتقاذفها التصريحات المتشائمة والمتفائلة على حد سواء.
ربما من سوء حظ قيس سعيد أن رغبته في تتويج مسار 25 جويلية باستفتاء تكبحها الأوضاع الاجتماعية بمطالب اتحاد الشغل وارتفاع الأسعار وانهيار الدينار تأثيرات حرب أوكرانيا وبات واضحا أن الإضراب العام الأخير ليس سوى خطوة أولى قد تعقبها خطوات تصعيدية أخرى لا يمكن إلا أن تؤثر، بصورة أو بأخرى، على نتائج الاستفتاء والمفاوضات مع صندوق النقد.
ولئن كانت هناك ثلاثة مواقف بشأن الاستفتاء، الداعية على التصويت بـ “نعم” أو “لا” والرافضة لعملية الاستشارة من أساسها، فإن هذه الاستشارة الشعبية أصبحت عرضة لتأثيرات خارج سياق حملة الاستفتاء فالضغط الاجتماعي والتخوف من رفض صندوق النقد إقراض تونس كفيلان بترسيخ الصورة السلبية الآفاق السلبية عن الأوضاع الداخلية خصوصا لدى الجهات المانحة.
كما أن قرار تكميم أفواه معارضي الاستفتاء أثناء الحملة، وهو يُعدّ حدا من حرية التعبير لدى الكثيرين، كفيل بالحد من التصويت بـ “لا” إلا أنه ستكون له انعكاسات على نسبة المشاركة.
ومهما كان التأكيد على أن الاستفتاء يتعلق بالدستور الجديد فإن مجرد تنظيمه ينطوي على رسائل داخلية خارجية مفادها أن تونس ليس فيها فقط مراسيم رئاسية بل أيضا استفتاء شعبي على دستور جديد يقطع مع حالة التردي الذي آلت إليه الحياة السياسية في العشرية الماضية.
والمعادلة الصعبة التي يتعين على قيس سعيد تحقيقها ستكون تنظيم الاستفتاء وغلبة الـ”نعم” و”احتواء” اتحاد الشغل بشكل أو بآخر أي الحد مما قد يعتبره رئيس الجمهورية تحديا برفض الاتحاد المشاركة في الحوار الوطني بشكله الحالي، وقد يكون رفض قيس سعيد قبول اقتراحات الاتحاد بخصوص ذلك الحوار محاولة منه عزل الاتحاد وتحييده عن المسار السياسي.
ولكن لابد أن يأخذ قيس سعيد بعين الاعتبار أهمية موافقة اتحاد الشغل على برنامج الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النقد وهنا يعيد تنظيم الإضراب العام إلى الأذهان مقولة الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن لا يمكن أن تأتي من الحكومة وهو ما ثبت في فترات الحكومات السابقة بل من اتحاد الشغل وأن محاولة تمرير برنامج اقتصادي “يفرضه” صندوق النقد سيرفضه الاتحاد.
المؤكد أن قيس سعيد سيبقى يراقب عن كثب مثلث التحديات.. عين على الاستفتاء وأخرى على اتحاد الشغل.. لتدخل البلاد، من جديد، مرحلة استقطاب ثنائي.. فيما الشعب بفقرائه وطبقته الوسطى ورجال الأعمال والطبقة السياسية المحالة على التقاعد المبكّر ينتظرون الفرج الذي لم يأت منذ 25 جولية الماضي وقد لا يأتي بعد 25 جويلية المقبل.