بقلم الاستاذة : الهام الجادري ( الجامعة المستنصرية/بغداد) متعة القراءة […]
بقلم الاستاذة : الهام الجادري ( الجامعة المستنصرية/بغداد)
متعة القراءة في هذه الرواية حملت معها إرهاصات الحب المشحونة بمعوقات العقائد والأعراف والتقاليد، كانت فرشتها تاريخية متمثلة بما مر به العراق من معاناة وتحولات ما بين الحقب في ظل الأنظمة الحاكمة.. اخذتنا الرواية بثلاث عشرة ليلة وليلة مع عشرات المعاناة في قصة حب جعلتنا نشك بأنفسنا كإننا جزء من شخصيات الرواية، عبر آلية السرد والفلاش باك التي تتنقل بالأحداث والبطل يقص حكايته وهو الراوي الأول او على حد قول القاص هو ليس بالبطل إن صح التعبيروهذا ما يأتي في نصه من إسقاطات الراوي وهو يسار (أنا لا أعرف لهواجسنا أن تزري بنا أحيانا.. لا ، أنا لا أقول أن أمر العثور على زها ليس مهما، ولكن كان بإمكاني أن أحقق شيئا دون أن أريق ماء وجهي….)191،اذا فمن منهم البطل ومن الضحية راحت التساؤلات في داومة السرد تخبط المتلقي بعناية لاذعة حتى كدنا أن نشعر اننا نشترك في تلك السطور داخل القصة لما تذكرنا من أحداث مرت بها الكثير من البيوتات العراقية ودور السجون ومنصات التعذيب والكبت التي ساهمت في تنشأة شخصية الرجل العراقي من توترات سيكولوجية يرسمها الكاتب من عمق المعاناة عبر ذلك البناء الداخلي لشخصية الراوي البطل وهو ذاته كان يحكي ويحاكم نفسه ويتساءل بشزر عما كانت شخصيته الذكورية تغلبه على حبه الكبير، وما مر به من محطات محيره له وللقارئ، وهنا بذات الوقت لا تعرف من هو صاحبك من عدوك لتنتهي الرواية كما عودنا بان بطلتها المرأة وهي ضحيتها الأولى والأخيرة، لكن هذه المرة البطلة صامته تحمل رمزية العطاء والتضحية، فتكون هي دون نصوص السرد هي بؤرة ومركز السرد برمته، فالصوت تمحور حول رمزية الصمت والتضحية دون مقابل حتى الموت (آه يا لتلك الزيارات الصباحية…! لقد كررتها لأكثر من مرة، كانت تفاجئني …تذهلني، وتجعلني أعيش ألذ أحلامي.. سألتها عن تمكنها من أن تصل بهذا الوقت المبكر .. ولكنها لم تجبني)..124. الموت كان هو ثيمة النص وهدفه الذي ختمه بثنائية للموت لكن لتختلف الأوجه فيه حيث الماضي هو من قتل الشخصيات نعم لكن لكلا الشخصيتين كانت حالة القتل تختلف، فالماضي قتل البراءة مرة مقابل العطاء المفرط للمرأة كحبيبة كما هي المرأة بالعادة في عين القاص، والموت الآخر يتسبب بماض للبطل الرواي ذاته كعقوبة بتأنيب الضمير لجلل الحدث ،مع المفارقة التي اثكلت النص أن يسار كان يتحدث لأستاذه هو ذاته في حقبة النظام السابق هو سجانه ومعذبه .مفارقة عرضت نقداً للواقع العراقي في ما جعل المتعة الفنية للنص الروائي امتزجت مع الرسالة الإنسانية، وهو ما تجلى في نظريات النقاد كمدام ديستال وستاف بوف بأن يطرح الأدب واقعاً ناقداً وقارئاً للحياة ومكتشفا لها ويأكدون على الصلة بين الأدب والواقع الاجتماعي فنصه صورة للواقعية النقدية وجوهرها عرض عدت إشكالات تبلورت في الكثير من الاتجاهات التي يصارعها المجتمع، فهو حارب الواقع بفلسفة رجل يدافع عن المرأة تارة إذ حملت زها فيها قضية كبرى دارت حول فكرة التضحية وفكرة العار والشرف، وتارة دافع عن الإنسانية برمزية عرضت معاناة الشاب العراقي ما بين المثيولوجيات والآيديولوجيات لتخلق شخصيات مشتتة تبعثرها الظروف والانتماءات، بالإضافة لفرشة النص في (٣٤٩ ) صفحة، التي عرضت كل ما يواجهه الشاب العراقي في وطن اغتال طموحاته وحرياته البسيطة وما حمله من رمزية المخبر او القامع والمعذب هو ذاته يصغي لمن عذبه لتتضامن الأبعاد السيكولوجية والازدواجية وتكون هي من ساهمت وساعدت في بناء الشخصية العراقية مرغمة لا مختارة (أعادوا وثاق يدي من دبر وسحبوني كالبهيمة ليجلسوني في مكان ما، وبعد ما لا أستطيع تقديره من وقت رجعوا لي لينهضوني في سيارة انطلقت بنا إلى حيث ارتأى قدري أن تكتمل مأساتي.) 206. وهذا كله عرضاً لما أثقل البطل بكل ما مر به من تقلبات وتأرجحات في مطبات السجون ثم الهروب والمكوث في أعالي الجبال للقتال ضد عدو هو ذاته ابن بلده، فهذه الإزدواجية في بناء الشخصية كما ذكرت سابقاً هي وليدة الظروف والسمة الأبرز من سمات الشخصية العراقية، كما نالت اهتمام علي الوردي في قراءاته إذ يقول هي الازدواجية، إذ أنه لا يعني بالازدواج بحسب المنظور النفسي كمرض نفسي بل هي ظاهرة اجتماعية تظهر في بعض المجتمعات كمجتمعنا، وإذا أردنا أن نذهب إلى أرسطو بأنه يعني به تعود الفرد على نمط من التفكير يناقض به واقعه وبهذا ما يجعله منشقاً على نفسه ، وهذا الطرح اتضح في رواية سعد سعيد بالنسبة للشخصية العراقية التي ذاتها ساهمت من جعل المرأة العراقية هي الأخرى أعظم رموز التضحية التي دائماً ما تمتثل كمركز العاطفة والعطاء في النص السردي والشعري العراقي بالتحديد، لأنها هي وليدة كل تلك التمثلات الاجتماعية، وأخيراً كان عرض الرواية هو ذاته على لسان البطل يسار بتقنية الفلاش باك واسترجاع الأحداث عبر سردها كما ذكرت سابقاً للمعذب والسجان أبو دفره، وهنا هو ما خلق عنصر المفاجئة والمباغتة التي جعلت المتلقي مذهولاً وممتعضاً وهذا ما شكل جمالية نصية واقعية صورت مرارة الأحداث التي عرضتها الرواية بكل وسطية لهذا المكون الاجتماعي في العراق بكل التجليات والولادات الإنسانية التي سايرت تنوع الحقب وعصور الحكم، لتملك الشخصية المعذبة نمط الإنقلابية بحسب الظروف وماتحتمه عليها وجهات التغيير الآيديولجية.