” جاك لانج ” ، هو الوزير الوحيد في تاريخ […]
” جاك لانج ” ، هو الوزير الوحيد في تاريخ فرنسا الى حد الان ، الذي شغل منصب وزير الثقافة الفرنسية طيلة 14 سنة بالتمام والكمال في عهد الرئيس ” شارل ديغول”… وقبله كان المفكر والروائي الناقد ” اندري مالرو” .. ومن منا لم يقرأ له في انماط وابداعات ادبية متنوعه وعميقة ،، خاصة رائعته “عابر سبيل”..
في عهدهما..تم انجاز الكثير ، بل تمت اعادة صياغة وترميم بالكامل للمشهد الثقافي الفرنسي ..وما تعرض له من عبث ونهب وتخريب وخُفوت ابّان الاحتلال النازي لباريس بالخصوص اثناء الحرب العالمية الثانية..واستطاعا بحكمة واقتدار ان يعيدا باريس الى سدّة مجدها وريادتها العالمية وعاصمة العالم باسره في مجالات الابداع الانساني من آداب وفلسفة وفنون وصخب حضاري متوهج لا يهدأ..بل جعلا من فرنسا قاطبة مقصد المثقفين المهمشين المنبوذبن من كافة اصقاع الارض
والمتعطشين للحرية والفعل الثقافي المستنبط والمؤسس ، ومرتعا خصبا للتألق والاضافة والاشعاع بالمفهوم الكَوْني لمعنى الكلمة ..وحتى يومنا هذا..
جال بخاطري ، البعض الصغير مما حدث ، وما يحدث من حولنا من ثورات وتغيرات انسانية حضارية كبرى التقطها الزعماء الكبار في وقتها لبناء وتأثيث مجد شعوبهم ، واعطائهم المكانة المتميزة التي تليق بهم لقيادة العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا بالضرورة ايضا….
ولا اخفي ،، ان أوجاعا كثيرة اعترتني بعد ان صرت ادعي اني على بيّنة تامة ودراية دقيقة بكل ما يسود القطاع الثقافي ببلادنا منذ عقود وخاصة في العشر سنوات الاخيرة من ترهل وفوضى واستخفاف وارتجالية وفشل ذريع وصل الى حد الانحطاط والتندر ، وعجز كامل عن صياغة سياسة ثقافية جذرية وشاملة تراعي خصوصية شعبنا وجغرافيا تونس وحضارتها التي ظلت لقرون عديدة منارة للفكر وقطبا للحداثة والمعرفة والعلم شرقا وغربا.. ومنبتا خصبا للعديد من العظماء والعباقرة في المجالات كافة.
فماذا جرى لبلدي ، حتى يقودها أعمى خلفه اعمى وخلف الأعمى.. اعمى.. وكلهم بجوسون بنا الطريق الى الهاوية وايديهم على اكتاف بعضهم البعض..
لست اعني اعاقة السيد وزير الثقافة المعين ضمن التشكيلة الحكومية الاخيرة والله..فكلنا نشكو اعاقة جسدية او فكرية او اخلاقية لا محالة.. بل كم اعاقة أحالت رجلا او امراة الى عبقري فذ لا يُشقّ له غبار..
لكني اقولها لهؤلاء اللصوص والسذج وزعماء ” الكرتون” ، ولا أخشى الا الله ، وتونس التي اوغلوا فيها الجرح..والقبح..والسلخ والمسخ..كفّوا عن ذبحنا من الخلف..
كفوا عن توظيف السياسة في طعامنا وملبسنا ونومنا واحلامنا ، وفكرنا ، بحشر اسم مشهور من فصيلة رياضية او فنية ..او من شريحة اجتماعية تشكو احتياجات خصوصية كما تسمونها نفاقا وشفقة..زورا وبهتانا.. في الواجهة السياسية الامامية ، للاستمرار في استبلاهنا وخداعنا..
كفوا..عن بيعنا في اسواق البهائم والارانب والدواجن..
كفّوا عن استرخاص ذممنا ، وأعراضنا ، وتاريخنا ، وتراب قلوبنا ، ودمنا..
ان وزير الثقافة هذا.. قد يصلح جيدا في موقع مهم واستراتيجي اخر ، هذا ان اردتم توظيف اعاقته والشريحة التي ينتمي اليها ، في لعبتكم السياسية القذرة والحقيرة التي تواصلون حياكتها وايهام الحمقى والمراهقين والمغفلين بنجاعتها وجدواها..ولكنه لن يصلح ابدا للاشراف على حظوظ موقع استراتيحي حيوي ، وصياغة مشهدنا الثقافي بكل اطيافه..والذي صار مرتعا للصوص وتجارة التزلف وقلة الحياء والاسترزاق اللاخلاقي ، والسرقة والنهب والارتشاء والانتهازية وسلب مال دافعي الضرائب والمال العام.. وتدمير الذوق العام ..وهي كلها خيوط عنكبوت يلزمها دهاء زعيم الشياطين واكثر ..لفك رموزها وطلاسمها.. وبالتالي ، فان الرجل ، وهو رهين المحبسين ، لن يقدر أبدا على جَهْر كل هذه الادران وازالة الروائح الكريهة التي تراكمت من حولنا مهما اوتي من حكمة ودهاء ..وعبقرية.
ان عهد ” طه حسبن” ،، ليس بعهدنا في كل تفاصيله وردهاته وانبعاثاته وووقائعه..ومقاييسه في الزمان والمكان ..بل لا يهمنا اصلا ..ولا يجب الاقتداء والاستئناس به..
فعميد الادب العربي ، وهو المبدع الفذ.. جاء به حزب” الوفد” الى سدّة وزارة المعارف انذاك ، ليس من أجل سواد عماه..وليس من أجل ما يحمله في جعبته من مشاريع اصلاح حداثوية اقتنصها من فرنسا ابان دراسته هناك..بل من أجل فَرّقْ تسد..وضرب فرقة سياسية بأخرى..ولترضية الملك وحاشيته وحتى معارضيه واسكاتهم لو لحين.. وهو ما حصل لاحقا.. وان مصر ” فاروق” ليس تونس” بورقيبة” باي حال من الاحوال.
ان اي سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار العنصر الثقافي كحجر الاساس..بل كركيزة متينة وجوهرية لتنمية ونهضة شعبه سياسيا واقتصاديا وتربوبا واجتماعيا..هو سياسي احمق وغبي وجاهل.. وفاشل بالضرورة في نهاية المطاف.. لذلك نرى ما يحصل اليوم في تونس من كوارث ودمار وعشوائية في كافة منظومة الحكم وعلى كافة الاصعدة والمجالات والقطاعات…نراه ..سوف يزداد قتامة وانحدارا وتعقيدا ..لان التي يسمونها ” ثورة”.. هي ليست كذلك في جوهرها..لانها انقدحت نتيجة شارع..لا مشروع..
ثم ان الحديث عن واقع الادباء والكتاب والفنانين
والمسرحيين والمبدعين التونسيين البائسة الى حد الغرابة والفجيعة ،، وحال الكِتاب والطباعة والترويج..يلزمه استحضار جميع مراثي العرب وخيباتهم ..بل اعتبره كالحديث عن جنازة امّي – يرحمها الله- ..!!